استطاع قادة إسرائيل أن يُقنعوا أنفسهم ومُؤيّديهم بأنّ العقاب الجماعي بغزّة هو حق مشروعٌ للدفاع عن النفس، بينما اعتبروا المقاومة الفلسطينية إرهابا، وتؤيدهم في ذلك الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. هكذا أصبح مصطلح الإرهاب أداة يستثمرها المحتل بما يحقّق أهدافه العسكرية. وهكذا تحوّل في المطلق إلى جزء من الصراعات والمراوغات بين الدول والمنظمات.
بقلم العقيد محسن ين عيسى
المقاومة حقّ عادل ومشروع
إنّ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب هي التي غذّت ثقافة المقاومة. وبصرف النظر عن منظمة التحرير وحركة حماس وبقية الحركات الفلسطينية أو غيرها، هناك فارق جوهري بين المقاومة ضد المحتل كحق أساسي مشروع في القوانين والمعاهدات الدولية، وبين الإرهاب كوسيلة عنيفة ودموية للتعبير. ومن أبرز المغالطات الصارخة التي سقط فيها العدو الإسرائيلي ومن يدعمه توظيف الحرب على الإرهاب وإدانته عالميا لتضييق الخناق على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي.
برى جيل اليوم الصامد في فلسطين نفسه ضحيّة للممارسات العنيفة والمنفلتة للكيان الإسرائيلي. هذا الجيل، الذي يعدُّ الداعم الرئيسي للمقاومة الفلسطينية المشروعة، هو أبرز مشكلة تواجهها الحكومات الإسرائيلية المختلفة. وتبرز شهادات الأسرى الفلسطينيين المحررين جسامة أعمال التنكيل والترويع العشوائية والتي كانوا كلهم من ضحاياها.
من المفارقات المخزية أنّ الناجين من النازية والمنحدرين منهم، هم من يرتكبون اليوم الجرائم النازية في غزة والضفة الغربية ويمارسون الفصل العنصري. لا زالت ذاكرة النكبة والاستيلاء والتجزئة الاستعمارية والعزل والتسييج والاجتثاث من القرى والمدن الفلسطينية حيّة. وتبقى كل أشكال العدوان الجارية على الأرض والشعب والمقدسات انعكاس لانحراف الكيان الإسرائيلي وشذوذه.
ولا بدّ من القول، في سياق تقصّي جذور الشر، أنّ التطرف الإسرائيلي واستهدافه للوجود الفلسطيني والعمل على التخلص منه، لم ينتج سوى زيادة المقاومة في الطرف المقابل وقيام جماعات مسلحة جديدة دفاعا عن الحرية والدم الفلسطيني. لقد خاضت الفصائل خلال مراحل تطورها صراعا مريرا ضد إسرائيل التي لازالت تقترف الجرائم ضدّ المدنيين، دون اعتبار للقيم الإنسانية، أو احترام لقواعد حقوق الانسان أو المواثيق الدولية. ولا مناص من حلّ الصراع إلا بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الطبيعية، وأولها الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وزوال الاحتلال عن الأرض العربية.
إنّ إلقاء نظرة على المشهد السياسي-الحربي يوصلنا إلى أنّ هناك تزوير لروح المقاومة الشعبية، ويلعب في هذا الاعلام المرتزق دورٌ بارز، ومُوَجّه للتضليل، والتشويه. المقاومة الفلسطينية هي طلائع الدفاع عن فلسطين وعن الحرم الثالث الذي تحتضنه القدس، الحرم الأسير بالاحتلال الصهيوني، وبرعاية أمريكية!
الصهيونية والتعطّش للدماء
نسمع كثيرا عن مراحل قيام دولة إسرائيل بالقوة على الأراضي الفلسطينية العربية، وخلاصة ذلك أن العصابات الصهيونية التي أسست الدولة اتخذت من الإرهاب منهجا لتكوينها وفقا لشرائع يدعون أنها توراتية وتلمودية.
ولمزيد من التوضيح، وكلما تمعّنا في التاريخ، وتوغلنا زمنيا في دراسة الصهيونية إلا ونقف على أنّ اليهود مُتّهمون بمذابح ضد غيرهم، أو أنّ مذابح حدثت لهم على أيدي شعوب أخرى. وكان اغتيال قيصر روسيا ” إسكندر الثاني” في 13 مارس 1881، الشرارة التي اشعلت جذوة الأعمال المعادية لهم.
وعلى أي حال، لقد سجلت الذاكرة أن يهود إسبانيا “الأندلس” لجأوا إلى بلاد المسلمين بعد محاكم التفتيش. كما سجلت الأدبيات الفلسطينية بشكل خاص التسامح بين المسيحيين واليهود والمسلمين على مدار التاريخ، ولم ينشأ أي ّصراع، إلا بعد ظهور العصابات الصهيونية المسلحة، وارتكابها مجازر وحشية.
وتذكيرا بأحداث كانت نقاط تحول في هذا السياق هو ما اقترفته العصابات الإرهابية الصهيونية من عمليات إرهاب ضدّ المؤسستين المدنية والعسكرية لسلطات الانتداب البريطاني، رغم أن بريطانيا لها الفضل الأكبر في عملية تأسيس الدولة الصهيونية ودعمها، ولا ينافسها في ذلك دولة أخرى حتى الولايات المتحدة الأمريكية. تواصلت العمليات ضدّ الفلسطينيين بعد قيام ” إسرائيل” لتوضح سياستها العنصرية ضدّ كل عربي.
لا بدّ من القول أنّ خطط اليهود المتآمرين على العرب تكاد تكون هي ذاتها على مرّ العصور، وأغربها الخطاب الرسمي الذي يقدم الفلسطينيين على انهم مُعتدين وإرهابيين، في حين يتم تقديم الإسرائيليين على أنهم ضحايا يدافعون عن أنفسهم ضد الإرهاب.
من الإرهاب إلى السلطة
من الضروري الانتباه إلى أن جزءًا كبيرًا من النخبة التي أنشأت دولة إسرائيل سنة 1948 كان لها العديد من الأعمال الإرهابية، وأيديها ملطخة بالدماء. وليس بريئا اليوم التركيز على محرقة اليهود التي ارتكبت قبل أكثر من ثمانية عقود، وتجاهل جرائم ترتكبها إسرائيل كل يوم بحق الفلسطينيين. وكأنّ ” الهولوكوست” اليهودي يستغل للتعتيم على جرائم حرب غزّة، وعلى حقيقة تحويل القطاع من معسكر اعتقال إلى معسكر إبادة جماعية.
وإذا كان الإرهاب السياسي لديهم هو في الأساس انعكاس لعمل المنظمات المتطرفة مثل “الإرغون” أو “ليهي” حتى سنة 1948، فمن المهم أن نشير أنه أثناء إنشاء دولة إسرائيل، تم إعادة دمج منظمة الأرغون وكذلك مجموعة ليهي الإرهابية الأخرى، في الهاغانا لتشكيل (جيش الدفاع عن إسرائيل)، الذي هو اليوم القوة المسلحة للدولة العبرية.
لا ينبغي أن ننسى، أن زعيم منظمة الأرغون “ميناحيم بيغن” أصبح الوزير الأول لأسرائيل (1977-1983)، وهو المنظر للصهيونية اليمينية المتطرفة التي تطالب بالاستعمار الراديكالي والمسلح في كامل فلسطين. وأنّ حزب “ليكود” الذي يتبنى هذه الأيديولوجية، هو الحزب الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين ناتنياهو. إنّ التمعّن في ما ذُكر يقود إلى الاستنتاج بأن الكيان الإسرائيلي يمارس الإرهاب بذاته عن طريق أجهزة الدولة، ويرعى من جهة ثانية الإرهاب الفردي وخاصة الديني لجماعات المستوطنين المتطرفين وغيرهم.
لم ينفرد العرب بالتضامن مع غزّة الجريحة وهم يتابعون الاستعراض الدموي للقصف المدمّر، فالملايين في العالم الحر انتفضوا ضدّ إسرائيل التي لا زالت تمارس الإرهاب بشكل مستمر وكأساس إيديولوجي.
شارك رأيك