بعد مرور 12 عاما عن ثورة الحرية و الكرامة في تونس تشهد البلاد حالة فشل ذريع في كل المجالات تقريبا و خاصة منها الاقتصادية و الدبلوماسية حيث دخلنا مع كل الشركاء في العالم في حالات اشتباك لفظية رعوانية و خطابية غير مدروسة كان من نتيجتها انقطاع العلاقات مع أكثر من جهة و هو ما جعل التساؤل عما بقي من الثورة مثيرا للسخرية.
بقلم أحمد الحباسي
في كل فترة من كل عام و في مثل هذا الشهر يطرح التونسيون نفس الأسئلة : ماذا كسبنا من ثورة ؟ لماذا تأزمت الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الأمنية إلى هذا الحدّ المفزع و من يتحمل المسؤولية؟ هل يصدق كل التونسيين ما يقوله الرئيس قيس سعيد بأن هناك من يعمل على تأزيم الأوضاع و يسعى لضرب قوت المواطن؟ لماذا سقط القضاء مرة أخرى في بؤرة التعليمات الصادرة عن السلطة التنفيدية؟ لماذا سقطت الديمقراطية و باتت تونس دولة ببرلمان صوري؟ لماذا حوّل الساسة الذين حكموا البلاد بعد الثورة أجيال المستقبل من الشباب إلى رهائن بالعملة الصعبة نتيجة القروض الخيالية التي ذهبت في جيوب من لا يستحقها ؟ لماذا فشل الرئيس قيس سعيد رغم مرور أربعة سنوات تقريبا على تسلمه السلطة و الاستحواذ على كل مقاليد الحكم في انتشال الاقتصاد التونسي من النكبة و تقديم منوال اجتماعي قابل للحياة؟ لماذا شدّد الرئيس قبضته الأمنية على الأصوات المعارضة و لماذا يتم انتهاك حرية الإعلام و اضطهاد عدد من المدونين ؟ لماذا استغل السيد الرئيس فترة حكمه في إصدار المراسيم المقيّدة لحرية التعبير دون سواها من المراسيم المحفزة للاستثمار التي تحتاجها البلاد؟
حرية التعبير في خطر
لعل ما يتفاخر به التونسيون و ما يعتبرونه من أهم مكاسب “الثورة” هي حرية التعبير، هذا الشعار أو القناعة لم تعد موجودة على الأقل في عهد الرئيس قيس سعيّد لأن حرية التعبير تتعرض للخطر مع ارتفاع نسبة الملاحقات القضائية الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى إطلاق عديد صيحات الفزع مطالبة السلطات التونسية بالتوقف فورا على هذه الممارسات و استغلال المراسيم المستحدثة المشبوهة لمقاضاة الأشخاص بسبب ممارستهم المشروعة لحقهم في حرية التعبير عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
تشير إحصائيات هذه المنظمة أن الملاحقات القضائية قد شملت للأسف المدونين و الناشطين السياسيين و المدافعين عن حقوق الإنسان و مديري صفحات الفيسبوك لمجرد نشرهم تعاليق أو مقالات أو تدوينات تنتقد الأداء الفاشل و المرتبك للسلطة.
للأسف الشديد تراجعت حرية التعبير و بات من المقلق للغاية رؤية هذه الفئات التي تعبر عن رأيها مستهدفة بالملاحقات القضائية القاسية بموجب قوانين و مراسيم كان من المفروض أن يتمّ التخلي عنها من باب احترام أحد مكاسب الثورة التي أريقت فيها دماء الشهداء و المناضلين.
من المؤسف أنه بدلا من أن تحاول السلطة إسكات الانتقادات باختلاق الذرائع “القانونية” كما حصل مع رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسي فقد كان حريّا بها أن تتمسك بحق كل شخص في التعبير دون خوف من الانتقام و عليها أن تعلم أن فشلها الواضح و الصارخ في إدارة شؤون الدولة بواسطة مسؤولين من الهواة و الفاقدين للخبرة و المغلوبين على أمرهم و تقديم الحلول العملية لكم المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتراكمة لن يزيد هذه الأصوات المناضلة إلا انتقادا و مطالبة بالتغيير و محاكمة الفاسدين بمن فيهم كبار المسئولين الذين عينهم السيد الرئيس نفسه و تميزوا يبطئهم و فشلهم في معالجة الأوضاع.
تدهور فضيع لما تبقى من الاقتصاد
ربما تجاهل الرئيس قيس سعيد ما جاء في خطاب تنصيبه من أنه لا مجال للعودة إلى الوراء و لم ينتبه لحد الآن أن سياسته و تعنته و رفضه الحوار و قبول المشورة قد زادت الطين بلّة و تسببت في تدهور فضيع لما تبقى من الاقتصاد و الآمال التي علقت على صعوده للحكم بحيث باتت تونس دولة منكوبة تقودها حكومة منكوبة.
بعد مرور ما يناهز الأربع سنوات لا يزال الرئيس قيس سعيد في نفس المكان و يعيد نفس الخطاب المدعوم ببعض الأبيات الشعرية التي تعود إلى سنوات الإسلام الأولى كما لا يزال الخطاب “الحربي” الذي يعج بالمصطلحات المخيفة يثير التساؤل حول مدى معرفته أو إتقانه لأبجديات الخطاب السياسي أو مفردات خطاب الأزمات و هو ما رأى فيه البعض دليلا على أن الرجل يسير في طريق مسدود لم يجد من يرشده إلى كيفية الخروج منه على الأقل في الجانب الاقتصادي.
في هذا السياق يؤكد مرصد رقابة أن حجم الديون المتراكمة مفزع جدا و أن جزءا كبيرا منها قد تمّ تحويله إلى وجهات غير معلومة لن يقدر الرئيس رغم كل الشعارات التي يتبناها حول هذا الموضوع من استرجاعها لأسباب موضوعية و قانونية يطول شرحها.
أيضا لم يفلح مسعى الرئيس في تركيز هيئة الصلح الجزائي إلى نتائج ملموسة و مهمة نظرا لسوء كتابة بنود المرسوم المحدث في الغرض.
بطبيعة الحال يعتبر فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي و شحّ الاستثمارات الخليجية من الأسباب الرئيسية لتصاعد وتيرة الغضب الاجتماعي بعد أن اشتعلت الأسعار و انقطعت مواد التموين بفعل سياسة الدولة الفاشلة و تكالب المحتكرين.
“منذ الستينات لم ينقطع أي شيء و اليوم أصبحت المواد الأساسية مقطوعة و هذا بفعل فاعل”، هكذا يوجز الرئيس قيس سعيد الأزمة التموينية و فقدان السلع الأساسية و ارتفاع أسعارها لكن الرجل لم ينتبه أنه من يملك كافة مقاليد الدولة و من ترجع إليه مسؤولية توفير هذه المواد الأساسية و من تجب عليه الاستقالة في صورة استمرار فشله في حل الأزمة.
لعل السيد الرئيس لم يدرك لحد الآن أنه من أسباب الفشل و ما يظهر من أزمات متلاحقة و أن نوعية خطابه تهدد السلم الاجتماعية و لا تعالج المشاكل بل تضيف إليها عوامل توتير أخرى.
بعد أربعة سنوات لم يتحرك قطار التغيير و لم نشهد إلا مزيدا من عزلة تونس على الصعيد الخارجي و باتت المعالجة الأمنية و القضائية الموتورة المتسلطة هي الحل في نظر الرئيس و لم يعد هناك حديث لا عن ثورة و لا عن كرامة و لا عن مستقبل بل باتت الأسئلة أكثر من الأجوبة.
هناك حالة فشل ذريع للدبلوماسية التونسية و مع كل الشركاء في العالم و حالات اشتباك لفظية رعوانية و خطابية غير مدروسة كان من نتيجتها انقطاع العلاقات مع أكثر من جهة و بلد و هو ما جعل التساؤل عن الثورة مثيرا للسخرية.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك