هزّت “حرب غزّة” الصورة النمطية للعروبة، وأسقطت أقنعة الضمائر المُلوّثة، وكشفت بشكل جليّ التمزّق الذي عليه الوطن العربي. واقعٌ يناقضُ المنطق السياسي والحضاري، ولا يتلاءم مع التيار التاريخي لهذا العصر، عصر التكتّلات. لقد خرجنا عن مسار الأمة المجتمعة ووحدة الضمير الإنساني، ويبدو مثيرا اليوم عجز الجميع عن حماية سكان غزة من الاضطهاد والانتقام الصهيوني ونجدتهم. (الصورة : القمة العربية بجدة 2023 عنوان العجز الرسمي العربي).
بقلم العقيد محسن بن عيسى
في انتظار رسائل الأمل
لا شك أنّ حقيقة قوة الشعوب تُختبر في الفترات العصيبة، ولقد برهن الشعب الفلسطيني مرّة أخرى عن صموده وتمسّكه بقضيته وأرضه وخيّب ظن المحتل الصهيوني وهزم مخططاته. فيما نعيش في المقابل خيبة أمل مع الدول العربية وحالة دوران في حلقة مفرغة رغم جهود الوساطات وتكاثف الاتصالات. وعلى ضوء ما يحفل به ملف هذه الحرب من انتهاكات أتسائل مثل الكثير عن الإرادة العربية وعن موروثاتها، عن موقف الدول التي لها في تاريخها ثقافة المقاومة وفكرها. أتسائل عن رأي تلك التي تدّعي الأهلية لصناعة القرار العربي في قتل المدنيين ومعاناة المرأة والطفل الفلسطيني؟
لا أرفع سقف توقّعاتي بأحد، ولا يشمل تساؤلي الدول التي تشيع الفتنة والاقتتال وتمول أحزابا مشبوهة وميليشيات في الوطن العربي. لم يدرك هؤلاء بعدُ أنهم سيكونون تباعا الهدف القادم للدوائر الغربية والأمريكية والصهيونية، وأنّ العدوان لن يتوقف عند المظهر الاقتصادي والعسكري وإنما سيمتد الى الثقافة والسياسة وحتى الجانب الروحي.
ينبغي أن نُودِّع إلى الأبد المعاهدة العربية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي تم توقيعها منذ 1950، والتي لم تُفعّل طوال الفترة التي تزيد على سبعة عقود، فأوّل فشل واجهته، كان في العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، الذي أعقبه العدوان الصهيوني على مصر وسوريا سنة 1967، ثم حرب رمضان في سنة 1973، وفي جميع الحروب مع الكيان الصهيوني لم تلتزم الدول العربية بالمعاهدة ولا بمقتضياتها، ولم تعتبر أيّا من الاعتداءات اعتداءٌ على أراضيها.
لا يمكن القبول ببيانات وخطابات هنا وهناك والعدو يزرع الموت والدمار ويحرق غزة.
كيف نجمع العرب على الممكن؟
لا يوجد أيّ مبرّر يحول دون ان يجتمع العرب على قاعدة جديدة وعملية لإنقاذ غزة بدءًا بإيقاف العدوان وفتح المعابر وتوفير مقتضيات الأمن وصولا إلى إعادة تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتركيز قوات حماية دولية تحمي سائر الأراضي الفلسطينية.
من المهم دعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ولكن الرد المباشر على ما يجري وخاصة محاولات تصفية القضية الفلسطينية هو الانطلاق الفوري في تنفيذ مصالحة فلسطينية حقّة وصريحة وصلبة، وإعادة بناء منظمة التحرير الممثل الشرعي، وفتح ملف القضية على مستوى جامعة الدول العربية بعد استعادتها وفي رؤية جديدة تُحدث تغييرا شاملا في النهج، والسياسات، والأدوات، والأشخاص. هناك حاجة إلى إحياء البعد العربي للقضية الفلسطينية بشكل فعلي وجمع الدول العربية المنفردة قدر الامكان.
القضية الفلسطينية على خطى الثورة الجزائرية التي تعدّ من أعظم الثورات التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، والتي كانت من أبرز صور الكفاح التي عاشها الشعب الجزائري طيلة قرن وإثنين وثلاثين سنة تحت وطأة الاستعمار الفرنسي. ولئن كانت البدايات الأولى للجهود الدبلوماسية في هيئة الأمم المتحدة فان الجامعة العربية هي التي أدخلت القضية من الباب الواسع إلى أهم وأكبر التنظيمات وإكسابها طابع الشرعية الدولية لتحقيق الاستقلال.
لا سبيل لوقف العدوان ومعالجة مسبباته والبحث في جذور الصراع المتمثل في الاحتلال خارج هذا الإطار. أعلم أن التدهور العربي انتقل من الوقوف الرسمي وراء شعار تحرير فلسطين إلى الانحدار في الموقف بقبول مبادرة السلام. ولكن لا يمنع ذلك من استعادة المواقف دون تنازلات وعقد مفاوضات سياسية مع العدو، لعلنا نصل إلى تسوية جماعية متوازنة.
نحن بحاجة إلى كل دول المنطقة، و تدهور الموقف العربي إلى الحضيض كان ولا يزال لعدم وجود مشروع عربي جامع وبلد عربي قائد بعد سقوط الأنظمة المركزية.
ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك