مساء السبت 23 ديسمبر 2023 أقيمت ندوة في متحف فرحات حشاد بالقصبة بمناسبة اِفتتاحه وقد قدّم فيها نجلُه الأستاذ نورالدين حشاد الوزير السابق للشؤون الاجتماعية مداخلة تاريخية على غاية من الأهمية.
بقلم سوف عبيد
وقد اِستهلّ السيد مراد عمارة المندوب الثقافي لولاية تونس الندوة بمقدّمة شكر فيها الأستاذ نور الدين حشاد على تفضّله باِفتتاح أنشطة المتحف واِستعرض مختلف المسؤوليات التي تقلّدها مؤكدا خاصة على اِهتمامه بتاريخ والده في أدقّ التفاصيل ودعا أن يكون هذا الفضاء زاخرًا بالأنشطة الثقافية المتميزة وشكر كذلك السيدة سهام بن تومية مديرة النادي الثقافي الطاهر الحداد التي نسّقت هذه الندوة ثمّ أحال الكلمة للدكتور الطبيب رضا الماجري باِعتباره من مثقفي تونس المدينة وصديق الأستاذ نور الدين حشاد فاِستعرض بعض الوقائع التاريخية في مسيرة الزعيم فرحات حشاد وذكر خاصة أنه كان حاضرا في الاِجتماع النقابي الكبير الذي أشرف عليه الزعيم فرحات حشاد في هذا المكان حيث رافق أحد معارفه وهو في العاشرة من عمره تقريبا .
ثلاث ساعات متواصلة تحدّث فيها الأستاذ نور الدين حشاد كما لم يتحدّث من قبل ربما لأنه أحسّ في وجدانه أنه قريب من مثوى والده فكان حديثه بَوحًا ومُناجاة فمضى مسترسلا ودون انقطاع فذكر أنّ فكرة إنشاء هذا المتحف سبق أن عرضها على الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة اِستقباله له ذات مرّة فوافق عليها من دون تردّد وهو اليوم يشعر باِرتياح كبير وقد فتح المتحف أبوابه ليكون أيضا فضاء ثقافيا.
بعد ذلك شرع في عرض عديد الوقائع في مسيرة الزعيم الخالد فوصف لنا البيئة التي نشأ في قرية العبّاسية بجزيرة قرقنة وراح يتحدّث عن أصلها وكيف اِستوطنها الجدّ الأول لعائلة حشّاد التي يعود أصلها إلى قبيلة كبيرة في اليمن كان من حظّه أن تعرّف على شيخها الذي كرّمه في إحدى زياراته لليمن وقد ذكر لنا سي نور الدّين أن فرحات حشّاد كان قد تخرّج من المدرسة الابتدائية بقرقنة التي أنشأها الاستعمار الفرنسي سنة 1883 وأنه أصيب بمرض في السنة النهائية فوجد الحنان والمأوى من زوجة مدير المدرسة الفرنسية وأتمّ الدراسة فيها بنيل الشهادة الابتدائية بتميّز وبعدها رافق خاله إلى مدينة سوسة على متن قارب صغير ليس له من المال والزاد والأحمال إلا ما كان يرتديه ـ وهذا درس ومثال في العزم والطموح ينبغي أن يكون للكثيرين من شبابنا.
كما ذكر الأستاذ نور الدين حشّاد أن الحركة الوطنية التونسية مرّت بعديد الحلقات التي استفادت من تراكم التجارب فيها وأن التواصل بين الأجيال والإنجازات هو أساس التقدّم نحو الأهداف الوطنية وليس بالقطيعة والإلغاء فبيّن أن الحركة الوطنية بدأت في مطلع القرن العشرين مع حركة الشّياب التونسي ثمّ بعد الحرب العالمية الأولى تطورت بظهور الحزب الدستوري الحرّ مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي وجماعته ومع ظهور الحركة النقابية مع محمد على الحامي ورفاقه وبعد سنوات جاء جيل آخر فأنشأ الحزب الدستوري الجديد مع الحبيب بورقيبة وجماعته ثم وبعد الحرب العالمية الثانية أسّس فرحاد حشّاد اِتّحاد الشّغل فصار من وقتذاك مُعاضدا للحركة الوطنية التي تعزّزت به .تحدّث سي نورالدّين أيضا عن مرافقة بورقيبة لحشّاد إلى الولايات المتحدة لحضور مؤتمر العمال العالمي في مدينة سان فرانسسكو وفصّل القول في الصعوبات التي قامت بها فرنسا للحيلولة دون حضور الوفد التونسي.
تحدّث نور الدين حشاد كذلك عن مرحلة دقيقة في حياة فرحات حشاد وهي الفترة التي اِقترب فيها من الباي وهي فترة كانت ضمن اِستراتيجية الحركة الوطنية في مرحلة من مراحل النّضال لنيل الاِستقلال .
أحداث وملابسات عديدة ومتداخلة اِستعرضها سي نورالدين بتفاصيل مذهلة فقد قضى عشرات السّنين في البحث والتنقيب من مرجع إلى مرجع ومن أرشيف إلى أرشيف ما بين تونس وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها لجمع الشهادات والمقالات من مختلف الشخصيات والصحف والمجلات بحيث اِستطاع أن يملك أرشيفا من آلاف الصفحات يحتوي على وثائق على قدر كبير من الأهمية لا تهم حياة الزعيم فرحات حشاد فقط ولا اِتحاد الشغل فحسب وإنما تشمل تاريخ تونس المعاصر في الشأن العام وحتى النواحي الخصوصية في بعض العلاقات وما فيها من ملابسات يمكن أن تكون من صنف الأسرار الخطيرة .
تحدّث سي نور الدين أيضا عمّا سبق حادثة الاِغتيال وعن يوم 4 ديسمبر 1952 وعن الليلة الأخيرة وكيف عاد فرحات حشاد من آخر لقاء مع الباي في صباح يوم 5 ديسمبر 1952 أصبح نورالدين حشاد مريضا وكان من المقرر أن يرافق والده في سيارته فأخذه إلى الطبيب ثم أودعه لدى عائلة مصطفى الفيلالي في رادس …
يوم 5 ديسمبر 1952 كانت القضية التونسية ستُعرض في مجلس الأمم المتحدة وعارضت فرنسا ذلك بشدّة ورفضت للزعيم فرحات حشّاد أن يسافر إلى الولايات المتحدة فكل شيء كان مبرمجا لاغتياله منذ أشهر…
على إثر الاِغتيال تكوّنت من التونسيين جماعة مسلّحة باِسم “كومندوس حشّاد” كانت قادمة من ليبيا للقيام ببعض العمليات العسكرية ولكن قضي عليها بطائرة فرنسية على الحدود قرب مدينة بنقردان… وهذه قصّة أخرى منسية…
ليت هذه الندوة قد سُجّلت وليت أساتذة التاريخ والمهتمين بالشأن الوطني قد حضروا هذه المناسبة وليت الأستاذ نور الدين حشاد ينشر كل هذه المعلومات الدقيقة والموثّقة لتكون مرجعا وعبرة … وبعد هل لنا ذاكرة وطنية في تونس ؟
شارك رأيك