ما هي أبرز الأدوات المنهجيّة لدراسة الغذاء؟ كيف تتناول المقاربات الأنتروبولوجيّة مختلف الأطعمة؟ ما المقصود بسيميولوجيا الطعام؟ ماذا نعني بسوسيولوجيا الغذاء؟ وهل يمكن اختزال الأبعاد الغذائيّة في الفضاء الاجتماعي؟ إلى أيّ حدّ يمكن التسليم بالتثاقف الغذائي؟ متى يتحوّل الفعل الغذائي إلى تقنية عقابيّة؟ ماذا نعني بالخطاب الغذائي؟ ‘(الصورة : عبد الحميد هنية و سهام الدبابي الميساوي).
للبحث في تفاصيل هذه الإشكاليات نظّم قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” نشاطا جمع بين الأبعاد العلميّة والفكريّة والأدبيّة، حيث اهتمّ الأكاديميون والباحثون على امتداد يومي 4-5جانفي 2024 بموضوع “الغذاء في التراث العربي: المصادر والمناهج ومقاربات النصوص” واحتوت فعاليات اليومين الدراسيين على سلسة جلسات علميّة، ومائدتين مستديرتين تحت إشراف مختصين في الحضارة وفي الطب والتحليل النفسي ومؤرّخين وأكاديميين مهتمين بالدراسات الفلسفيّة والأنثروبولوجيّة والأدبيّة.
و قد اتسمت المداخلات بالتنوّع مثيرة سجالات إشكاليّة حول فنون الطبيخ وطقوس الأغذيّة في الفضاء الاجتماعي وفي نسيج السلطة وفي الحقول الفكريّة والأدبيّة.
كذا هو موضوع الغذاء عابر للاختصاص وفقا لرئيس القسم الأستاذ عبد الحميد هنيّة في كلمته الترحيبيّة، مشيرا إلى أنّ قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة ببيت الحكمة يهتم بهذه الإشكاليات العابرة للاختصاص، إذ ينهل كل اختصاص من الاختصاصات الأخرى. وفي نفس السياق أبرزت المجمعيّة سهام الدبابي الميساوي المشرفة على الفعاليات نجاعة تعدّد المقاربات من أجل الإلمام بجوهر الموضوع، مؤكّدة على الطابع الاجتماعي للغذاء وسمة الكليّة، ممّا يحتّم حسب مقاربتها التسلّح بالجهاز النظري سعيا إلى التعمّق في هذه الظاهرة الاجتماعيّة الشاملة ذات العلاقة بما هو بيولوجي ونفسي وسياسي وثقافي الخ. كما شدّدت على ضرورة التسلّح بالمناهج العلميّة في دراسة ما هو غذائي وفي فهم المصادر المهتمّة بتفاصيل العمليّة الغذائيّة لأنّ “المصادر هامّة جدّا، لا بدّ أن نذكرها ونصفها، فهي الآليّة الأولى للبحث العلمي” على حدّ عبارتها. واهتمّت كل جلسة علميّة بإشكاليّة من قضايا الغذاء وبحقبه التاريخيّة، وبأبعاده السيميائيّة والسيميولوجيّة، وبطقوسه وتوظيفها في المعيش الإنساني، تارة لصالح الذات البشريّة، وطورا لتأديبها وتأليمها، بل للخلاص منها ليتحوّل إلى آليّة “مراقبة ومعاقبة” إن استعرنا عبارة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو.
تلك هي مضامين يومين تشريحيين وتشخيصيين للخطاب الغذائي بأدوات تحليليّة نهلت من البحث الأنثربولوجي والتأمل الفلسفي والخيال الأدبي، ومن عيادة التحليل النفسي وقراءات المؤرخين والسوسيولوجيين، فلم تكن المداخلات وصفيّة وسرديّة، بل وردت تحليليّة لما تضمّنته أبرز مصادر الغرب الإسلامي الوسيط وإفريقيّة وكتب الطب ومؤلّفات الفلاسفة والعلماء والأدباء على غرار ابن رشد، وكلود ليفي ستروس، والجاحظ وغيرهم ممّن أثاروا هذه الظاهرة العابرة للاختصاصات.
شارك رأيك