اليوم و في الذكرى 11 لاغتيال، صباح يوم 6 فيفري من سنة 2013، السياسي اليساري شكري بلعيد من أمام محل سكناه بالمنزه السادس، يوم صعب يتزامن مع جلسة المرافعة في القضية التي بقيت راكدة على الرفوف لأكثر من عقد…
الشاعر محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس سابقا يكتب ما يلي في “الرسالة” و فيها ذكريات و ذكريات تعود للحياة الطلابية التي جمعتهما و ما بعدها:
“الرسالة
14،
عزيزي
شكري
أكتب لك هذه المرة من مدينة كنت تحدّثني عنها كثيرا في سنوات الجامعة. لا أعرف إن كنت زرتها كما كنت تحلم قبل أن تمتدّ نحوك تلك الذراع السافلة وفي آخرها مسدّس.
في كل الحالات حيث أنت الآن، أراك تستطيع أن تزور العالم كلّه، أن تنظر حيث تشاء وتسمع ما تريد وقتما تريد.
وإذا فضّلت أن لا تتحرك سيأتيك ما تبغي عندك. فالأيقونات تأتيها النّاس. وأنت أيقونة إنسانية معلّقة على جدار الشهادة جنب الحلاج والحسين وغيفارا ومالكولم اكس ونيرودا وغيرهم.
أما تونس فرغم عادتها بالجحود القديم تجاه من يحبّها فإنها في مجملها ما زالت تضعك في قلبها.
كما كنت تقول لي سابقا، إنّها تُفَضِّلُ مُحبِّيها شهداء أو موتى. أما وهم أحياء فإنها تجازيهم كما جازتك في انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011. أعطتكً بضعة أصوات قليلة لا ينالها سوى المجهول المخذول.
أمّا عندما سال دمك حافيا فوق زجاج شبّاك السيارة الذي حطّمه رصاص القتلة، فإنّها ولولت وقطّعت شعرها وندبت خدودها ورَثتْكَ وعلقت صورتك على بابها وأعلنتك خاتمة الزعماء.
ولكنها رغم قسوتها فهي تحبّ فعلا وككلّ امرأة فاتنة ولعوب فإنها تتسلّى بتعذيب عشاقها. وأنا أعرفك، لا يهمّك تجنّيها عليك. فأنت تحبها والسلام. دون مقابل وبلا انتظارات.
تَذْكُرُ طبعا قصيدة الشابي، التي كلما سكنتني رأيته وهو يبكي وراء كل حرف فيها، وحيدا تحت نخلة في الجنوب، اذا هزّها لا يتساقط عليه الرطب جنيّا:
أنا يا تونس الجميلة في لجّ الهوى
قد سبحتُ أي سباحةْ
شرعتي حبك العميق واني
قد تذوقت مرّه وقراحهْ
هل لاحظت؟ من حب تونس تذوّقَ المرارة والقروح. لانه الحبّ دون مقابل سوى الأذى زمن الحياة والعرفان زمن الموت.
ثم يواصل بلقاسم الشابي فيصير متحدّثا باسمك أو كأنك سكنت لسانه،فيصِفُ وصيّة قتلك قرابة تسعين سنة قبل ذلك الصباح الكلب بن الكلب، يوم 6 فيفري 2013،
لا أبالي وإن أريقت دمائي
فدماء العشاق دوما مباحةْ
وهذا هو ثمن حبّ الجميلة المتقلبة بين الجحود والوفاء.
لا تسألني عن بعض الناس من رفاقك السابقين…خاصة فيما يتعلّق بالسياسة. في كل الحالات لو كنت هنا لما كانوا رفاقا لك بعد. أتذْكُرُ اننا اتفقنا في أحد آخر حواراتنا ان الوطنية غير ممكنة دون الحرية. وأن خطأً يسار التحنيط هو عدم تَفَهُمّه للمسألة الديمقراطية وتمسكهم بمقولات فارغة لا تقود الا للاستبداد.
إنهم ما زالوا هناك. في نفس وضع القرفصاء الفكرية. البعض الاخر القليل تستطيع أن ترى فيه شيئا منك. باحتشام.
أنا أعرف بالضبط الموقع السياسي الذي كنت ستكون فيه لو عشت. حيث التفكير والذكاء والحرية وبعيدا عن التبسيط والتسطيح.
أنا أعرفه بدقّة.
كما كان الوضع قبل اغتيالك، والنقاش الذي كان بيننا وقتها والذي كان سيثمر شيئًا هائلا لولا القتلة.
تريد رأيي أنا؟ أنت تعرفه. ماذا يجب أن نفعل؟ تعرف أيضا. تريد تحليلي ورؤيتي لتقارنها بتحليلك ورؤيتك هناك حيث أنت؟
لتعرف رأيي أحيلك لآخر قصيدة الشابي ذاتها :
“إن ذا عصر ظلمة غير اني
من وراء الظلام سنت صباحهْ
ضيّع الدهر مجد شعبي ولكن
سترُدّ الحياة يوما وشاحهْ”
أكهو …يوفى الحديث…ليلتك زينة شكري”..
شارك رأيك