ماذا لو أعيد انتخاب الرئيس قيس سعيد؟ هل سينجح في تحقيق ما فشل في تحقيقه خلال عهدته الأولى كما يؤكد ذلك مناصروه اعتبارا و أن الوضع الذي ورثه كان صعبا جدا و كان لا بد من تطهير البلاد من الفساد و الفاسدين قبل إعادة دفع عجلة الاستثمار و النمو و الرفاه؟ أم أن مواصلة تدهور الأوضاع في البلاد بسبب ضعف السياسات و عدم وضوح الرؤية و العزلة النسبية التي عليها البلاد على الصعيد الدولي و غيرها من المتاعب ستمنع الرئيس من تحقيق وعوده لناخلبيه ؟ (الصورة : زيارة قيس سعيد الأخيرة لمنطقة المنيهلة).
بقلم أحمد الحباسي
من الواضح أن الرئيس قيس سعيّد قد فعل كل شيء لإزاحة أبرز خصومه السياسيين – بشكل مباشر أو غير مباشر – سواء تحت يافطة محاربة الفساد أو توجيه الاتهام لهم من طرف القضاء بمحاولة المس من أمن الدولة أو كما هو حاصل للأستاذة عبير موسي بتهم مختلقة و غير ثابتة حتى اليوم أثارت الاستهزاء لدى كل الحقوقيين.
حين انقلب سيادة الرئيس على دستور جانفي 2014 و ذلك ليلة 25 جويلية 2022 ظن البعض أنها ثورة تصحيح لمسار ما سمي نفاقا بالثورة التونسية و مع الوقت تبين أن ما حصل هو مجرد افتكاك للسلطة و انفراد بها صادر عن نية متعمدة و مسبقة و لغاية مبطنة و خفية في نفس الرئيس.
من المنطقي و المعقول أن يبقى المواطن حائرا بين مرحب و رافض لما حصل لكن الثابت أن الرئيس قد تجاوز دستور 2014 متعمدا. و من يقوم بمثل هذا الفعل هل يمكن مواصلة الوثوق به تحت أية ذريعة و أي ظرف؟ فهل ما يزال السيد الرئيس محل ثقة؟ السؤال يطرح لأنه و ببساطة شديدة كان لديه من الوقت منذ انتخابه أن يحوّر الدستور و يسعى إلى ذلك بالطرق الدستورية المتاحة و يستفتي الشعب و يحاول استقطابه إلى فكرته و دفعه للضغط على مجلس نواب الشعب لتمرير مشروع تحوير الدستور المقترح و لما لا ضمان التصويت له. هذا على الأقل ما يقوله معارضوه…
اختيار الطريق الأسهل
أما و قد اختار سيادته الطريق الأسهل لبلوغ غايته وهي الانقلاب على دستور 2014 فقد ارتكب تجاوزا دستوريا و ما إصراره على عدم تركيز المحكمة الدستورية – على الأقل إلى حد اليوم – إلا قناعة منه بكونها قد تنقض مسار و قرارات 25 جويلية و ما بعدها ليجد نفسه في موقف دستوري و سياسي على غاية من الحرج و أمام مطالبات عدة و متفرعة بوجوب تقديم استقالته والخروج من الحكم و من النشاط السياسي من الباب الخلفي.
لعل هناك من لا يزال يتمسك بنتائج استطلاعات الرأي التي تضع الرئيس في مقدمة الحاصلين على ثقة المستجوبين و لكن ما تم كشفه من سقطات هذه الاستطلاعات و المشرفين عليها كفيل بوضع تلك النتائج موضع الشك و الريبة. خاصة و أن الرئيس نفسه كان دوما ينتقد القائمين بهذه الاستطلاعات بل إن نتائجها صارت منذ توليه السلطة لا تنشر عبر وسائل الإعلام بصورة منتظمة مثلما كان الأمر قبل 2019.
يشرف السيد الرئيس على نهاية ولايته و يحق للمتابع أن يبحث عن الانجازات و أن يقيّم الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و لعل الأمر لا يستدعي إهدار شيء من الوقت لأن نتائج فترة حكم الرئيس قيس سعيد ضعيفة و ما تحقق فعلا هو أطنان من الإحباط و ساعات من الطوابير المذلة بحثا عن رغيف خبز و كميات من الخطب المكهربة و دوران مستمر في نفس المكان و أفق خال من الانجازات الفعلية.
هذه المعاينة و هذه النتائج السلبية ثابتة بكل التقارير اليومية التي تبثها مراكز البحوث و وسائل الإعلام داخليا و خارجيا و كل التقارير الاقتصادية تؤكد فشل سياسة حكومات السيد الرئيس المتعاقبة منذ تنصيبه بل انعدام وجودها على أرض الواقع. لذلك نتساءل مرة أخرى عن صحة نتائج الاستطلاعات التي تضع رئيسا بمثل هذا الضعف في الإنجازات في المقدمة و من يقف وراءها و من يمولها و من يدفع لإشهارها من باب تضليل الرأي العام.
المحاكمات الخطابية لا تغني و لا تسمن من جوع…
ما هي عناوين نجاح الدبلوماسية التونسية التي يشرف عليها و يسطرها السيد الرئيس؟ أين عناوين نجاح الدبلوماسية الاقتصادية؟ ماذا قدم السيد عثمان الجرندي وزير الخارجية السابق و زميله حاليا السيد نبيل عمار من إنجازات دبلوماسية ملموسة؟ ماذا ربحت تونس من سوء إدارة الأزمة مع الاتحاد الأوروبي و مع شركائها التقليدين في أوروبا و مع الشقيقتين المغرب و ليبيا؟ لماذا فشلت هذه الدبلوماسية في استقطاب الاستثمارات الخليجية على الأقل بالحجم الذي كانت عليه قبل 2011 ؟ لماذا لم تقم حكومة السيد الرئيس بمبادرة واضحة المعالم للدخول في سوق إعمار سوريا و ليبيا؟ لماذا لم يتمكن السيد الرئيس من تقديم رؤية قابلة للتطبيق في علاقة بالبحث عن شركاء اقتصاديين جدد من القارتين الأسيوية و الأمريكية الجنوبية و من إفريقيا؟ ما هي الطريقة الأنجع لتوفير الاستثمارات القادرة على خلق مواطن الشغل لمواجهة غول البطالة؟ لماذا يتعاظم الفشل فى مقاومة مافيا الاحتكار ولماذا لا تتم محاسبة كبار القوم من الذين استحوذوا على السوق و باتوا يتحكمون فى قوت الشعب؟ المحاكمات الخطابية المتواصلة لا تغني و لا تسمن من جوع…
لعلها بعض العناوين الكبرى لفشل السيد الرئيس و التي لم يستطع أن يواجهها إلا بتكرار نفس الخطب المعلبة الخارجة عن سياق الواقع و الزمان و المكان. في كل الدول لا يتم إعادة انتخاب الرئيس المتخلي إلا على قاعدة إنجازاته الإيجابية المختلفة و في كل الدول تقريبا يرفض الرئيس المتخلي إعادة ترشيح نفسه لولاية ثانية إذا ثبت سوء إدارته لفترته الرئاسية و إخفاقه في تحقيق نتائج اقتصادية ملموسة… لكن من الواضح أن سيادة الرئيس قد فشل رغم كل هذه الإخفاقات و الكبوات و ضعف النتائج في كبح طموحه السياسي الجامح و بات يرى نفسه الأوحد في قيادة بقايا أشلاء شعب فقد نكهة الحياة وبات خائفا على مستقبله و مستقبل أبنائه.
رؤية محافظة و وصائية على المجتمع و الدولة
لقد نجح السيد الرئيس في تهميش البرلمان و “توظيف” مؤسسة القضاء بمعني تحويله من سلطة مستقلة إلى وظيفة من الوظائف التابعة للسلطة التنفيذية ليصبح قيس سعيد “الحاكم بأمره” حسب تعبير عبير موسي و قام بتجميع كافة السلطات في يده بناء على رؤية محافظة و وصائية على المجتمع و على الدولة برمتها و إذا كان مؤكدا فشل الأحزاب في إدارة الصراع السياسي فالثابت أن الرئيس قد استثمر سلبا هذا الفشل و لم يستطع المحافظة على رصيده الانتخابي ليهدره في تلك الخطب و الزيارات التي كشفت ضعفا و فشلا في قيادة الدولة و نحت مسار ينقذها فعلا من السقوط المتدحرج. ليبقى السؤال: ماذا لو أعيد انتخاب الرئيس قيس سعيد؟ هل سينجح في تحقيق ما فشل في تحقيقه خلال عهدته الأولى كما يؤكد ذلك مناصروه اعتبارا و أن الوضع الذي ورثه كان صعبا جدا و كان لا بد من تطهير البلاد من الفساد و الفاسدين قبل إعادة دفع عجلة الاستثمار و النمو و الرفاه؟ أم أن مواصلة تدهور الأوضاع في البلاد بسبب ضعف السياسات و عدم وضوح الرؤية و العزلة النسبية التي عليها البلاد على الصعيد الدولي و غيرها من المتاعب ستمنع الرئيس من تحقيق وعوده لناخلبيه؟
يصعب التكهن بما قد تؤول عليه الأوضاع وطنيا و إقليميا و دوليا خلال الأعوام القادمة و لكن الواضح أن الوضع في بلادنا مرشح إلى مزيد التعقيد و السوء على كل الأصعدة لأنه لا تبدو أية بشائر تحسن في الأفق.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك