من المسكوت عنه في تونس موضوع ما يسمى بالذئاب المنفردة و رغم أهميته باعتباره شأنا يهم الأمن القومي بمفهومه الشامل للاقتصاد و الأمن و السياحة و الاستقرار فإن هناك تخوّف واضح لدى كل الذين يريدون تناول هذه الظاهرة و كأن هناك تعليمات تنصحهم بعدم النبش في الأوراق المتعلقة بظاهرة الإرهاب في تونس سواء على مستوى التدريب أو الاستقطاب أو التسليح أو غسيل المخ أو تسهيل عمليات تسفير الإرهابيين لعدة بلدان.
بقلم أحمد الحباسي
لا السلطة و لا مراكز البحث و لا التقارير أو المنابر الإعلامية و لا رجال الثقافة و التنوير يريدون الإفصاح عن الحقيقة في ملف التحقيقات التي تهم هذه الظاهرة المنفلتة و الظاهر أن هناك ملفات مخفية عن قصد من طرف المخابرات التونسية بالذات في علاقة بملف الذئاب المنفردة على اعتبار أن الرئيس نفسه ما انفك يشدد على تنقية المناخ الأمني من كل الشوائب التي يكون لها تأثير سيء على جلب الاستثمارات و تشجيع المستثمرين.
أين اختفت الذئاب المنفردة ؟
الحديث عن الذئاب المنفردة يقتضي طبعا طرح كثير من الأسئلة و من أهمها و أولها أين اختفت تلك العناصر التي يشبهها البعض بالطابور الخامس أو الخلايا النائمة و ما علاقتها بالقاعدة و بالحركات الإسلامية المتطرفة الأخري و من بينها حركة الإخوان المسلمين و فرعها في تونس حركة النهضة؟ و هل زال خطرها بسجن قيادات الحركة تباعا و من بات يشرف على تمويلها و تخصيص التربة الحاضنة لها ؟ ما علاقة هذه العناصر الإرهابية الخطيرة بأجهزة المخابرات الأجنبية و بالذات الصهيونية و القطرية و التركية و هل أن سقوط حركة الإخوان في مصر و اغتيال الإرهابي الكبير أسامة بن لادن قد انعكس سلبا على نشاطها الدموي؟
من المؤكد أن هناك نظام و أجندة مختلفين لمنظومة الذئاب المنفردة و إذا كان لتنظيم داعش مثلا ما يزيد عن ستين ألف صفحة موزعة بين فيسبوك و تويتر باللغة العربية يجعلها قادرة في بعض اللحظات على تسخير أيا من هذه الذئاب لشن تفجيرات أو هجمات مسلحة دون أن تتمكن المخابرات الغربية من تتبعها في الوقت المناسب فالظاهر أن حركة النهضة قد تخلت و لو جزئيا عن استخدام هذا السلاح نظرا لانعكاسات العمليات على وجودها كحركة منعوتة بالإرهاب.
لا أحد يصدق كل الشعارات الفضفاضة المتعلقة برغبة الحكومة في مواجهة عمليات المجموعات الإرهابية و من بينها العمليات المدمرة التي تنفذها الذئاب المنفردة فمواجهة الإرهاب تحتاج إلى خطط واقعية و بنية تحتية أمنية استخبارية متكاملة و فاعلة و نشطة و إلى ما يسمى بإرادة الدولة الواعية.
الواضح للعيان أن الرئيس قيس سعيد لا يلتجىء إلى مجلس الأمن القومي إلا لإلقاء الخطب و المواعظ و بعض النكت الفاقدة للطعم و هو نفس الأمر بالنسبة للقائم بأعمال الحكومة السيد أحمد الحشاني كما أنه ليس سهلا مواجهة هذا الخطر في ظل حالة الانقسام العمودية و الأفقية التي تهز أسس الاستقرار المجتمعي نتيجة عدم التدبير الإيجابي المطلوب في ظل وضع اقتصادي و اجتماعي متعفن إلى أبعد الحدود.
الإرهاب و الدكاكين المشبوهة
لعل وجه الغرابة في سلوك الحكومة و خطب السيد الرئيس أنها تتجاهل خطر الذئاب المنفردة كأن هناك قناعة برحيلها من كافة المناطق التي كانت تختفي فيها أو كأنه هناك تطمينات سرية بأنها لن تقوم بأي فعل خطير مقابل عدم محاكمة قيادات النهضة أو محاسبتهم في خصوص الأموال المنهوبة.
يصرّ كثير من المتابعين لنشاط الحركات المتطرفة أن هناك تقلصا كبيرا في نشاط صفحات التواصل الاجتماعي و غيرها من وسائل الاتصال التابعة للحركات الإرهابية و هذا ما يطرح عديد الأسئلة المتعلقة بقدرة الذئاب المنفردة الحالية على الإيذاء و ارتكاب الحماقات خاصة في ظل شحّ السيولة المالية للدول الداعمة مثل قطر و تركيا و بعض رموز التطرف في دول الخليج.
من الأسئلة المتداولة مدى علاقة هذه الرموز الإرهابية بالقائمين على ما يسمى بالمدارس القرآنية و ببعض الجمعيات “الخيرية” و بدكان ما يسمى بهيئة علماء المسلمين و بغيرها من الدكاكين المشبوهة و هل أن رحيل الشيخ يوسف القرضاوي و دخول قيادات النهضة للسجن و استعادة الأجهزة الأمنية التونسية لبعض من فاعليتها قد حدّ شيئا ما من نشاطها و هل صحيح أن هناك عدة رموز إرهابية قد انسلخت عن التنظيم و باتت تمارس التهريب بالتعاون مع كثير من الميليشيات المتمردة في ليبيا و بعض الفاسدين الأمنيين الذين سيسقطون قريبا كما سقط غيرهم من الخونة؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك