- الصحفي فاهم بوكدوس
تقدم يوم الثلاثاء 20 فيفري الجاري أربعون برلمانيا من مختلف الكتل وغير المنتمين بمبادرة تشريعية لتنقيح المرسوم 54 المتعلّــق بمكافحــة الجرائــم الالكترونيــة مس فيها مقترح التنقيح الجزئي بشكل جوهري الفصل 24 من خلال الدعوة لحذفه.
وتأتي هذه المبادرة في إطار الحق الحصري الذي منحه الفصل 75 من الدستور التونسي للوظيفة التشريعية بحيث يختص نواب الشعب في التشريع مصادقة واقتراحا وتعديلا والغاء، ويشمل الأمر المراسيم.
ويتعدى أمر المراسيم إلى الواجب التشريعي ذلك ان تلك النصوص تصدر بصفة استثنائيةو مؤقتة وعليها ان تمر ضرورة امام مجلس نواب الشعب لاكساءها الصبغة التشريعية والدائمة.
ومثلها يلخص أساتذة القانون الدستوري الأمر فإن:
- المراسيم لا تصبح قوانين إلا بعد موافقة مجلس نواب الشعب
- مجلس نواب الشعب هو صاحب اختصاص التشريع، ومن حقه تعديل أو إلغاء القوانين القديمة وعلى رأسها المراسيم
- لا توجد اي علاقة بين تدخل البرلمان لتعديل المراسيم و بين تحصينها من دعوى الالغاء أمام المحكمة الإدارية خاصة وأن الأمر 117 قد انتهى بصدور دستور 2022،
*مخاطر على مستوى النص:
يُجمع المتمعنون فــي “أحــكام المرســوم عــدد 54 المتعلّــق بمكافحــة الجرائــم الالكترونيــة علـى الاقــرار بأنـه جمـع كل التهديـدات المترتبـة عـن إعمـال المجلـة الجزائيـة أو مجلـة الاتصالات أو غيرهـا مـن القوانيـن القمعيـة التـي يقـع اللجـوء إليهـا لتتبـع الأفراد بسـبب ممارسـتهم لحريـة التعبيـر. مكــن هــذا المرســوم الأجهزة الأمنية والقضائيــة مــن صلاحيــات واســعة بخصــوص حجــز الهواتــف والحواسـيب وكل الأجهزة التـي يقـع اسـتعمالها لتخزيـن البيانـات، وعمليـات التعقـب والتنصـت، بالإضافة إلـى الفصـل 24 منـه الـذي جمـع أغلـب جرائـم التعبيـر الموجـودة فـي القانـون التونسـي مـع التشـديد فـي العقـاب بصـورة متعارضـة تمامـا مـع مقتضيـات الدسـتور والالتزامات الدوليـة لتونـس”.
“تجـدر الإشارة إلـى أن خطـورة الفصـل 24 مـن المرسـوم تكمـن فـي إمكانيـة تطبيقـه علـى جميـع الآراء والأفكار والمعلومـات التـي يمكـن اعتبارهـا ماسـة بحقـوق الأفراد أو المؤسسـات أو المجتمـع بسـبب الطابـع المطاطـي لعباراتـه، الأمر الـذي يجعـل مـن السـلطات العموميـة فـي غنـى عـن الترسـانة التشـريعية القمعيـة الـواردة بالمجلـة الجزائيـة أو مجلـة الاتصالات أو غيرهـا مـن النصـوص الأخرى”.
. “ولئــن يظهــر للوهلــة الأولى أن مجــال انطبــاق المرســوم عــدد 54 هــو الفضــاء الرقمــي إلا أن انصهــار مختلـف وسـائل التعبيـر يجعـل مـن غيـر المجـدي التمييـز بينهـا ذلـك أن كل مـا يقـع فـي الفضـاء الحقيقـي تقريبـا يقـع نقلـه بشـتى الصـور والأشكال عبـر الإنترنت، ممـا يعنـي فـي حقيقـة الأمر تضييـق المرسـوم 54 لا فقـط علـى الفضـاء الافتراضي، بـل أيضـا الواقعـي”.
- تبعات كارثية للمرسوم:
هناك رفض مجتمعي واسع للمرسوم عدد 54 لسنة 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، على اعتبار أنه ينص على عقوبات زجرية مبالغ فيها في قضايا نشر ويهدف إلى مزيد التضييقات على حرية التعبير والصحافة بتعلة مكافحة الإشاعات وجرائم المعلومات، خاصة وأنه تضمّن بالإضافة إلى فصول مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال، عديد العقوبات الزجرية التي تفتقد إلى التناسب بين الفعل والعقوبة باعتبار أن جرائم النشر لا يمكن أن تكون عقوبتها السجن لخمس او عشر سنوات، زيادة على توجه متشدد في التعامل مع قضايا مختلفة منها التعبير والنشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويعتبر أغلب المعنيين بهذا المرسوم أنه يتعارض مع الفصل 55 من الدستور والذي ينص على عدم ممارسة الرقابة المسبقة، وذلك من خلال تقنين إجراءات التنصت العشوائي على المواطنات والمواطنين. كما تفتقد العقوبات الواردة بهذا النص إلى مبدأ التناسب والتراتبية، حيث نص الدستور على أن اي تقييد للحريات يجب أن يكون ضرورة تفرضها الدولة المدنية الديمقراطية ودون ان يمس من جوهر الحريات، وهو ما تم تجاوزه تماما في هذا المرسوم.
ويًجمع المعنيون بالشأن العام في تونس أن هذا المرسوم يؤكد توجه السلطة نحو تكريس منظومة تشريعية وسياسية تضرب الحقوق والحريات وتحرم المواطنات والمواطنين من حقهم في التعبير والنشر ويجعلهم مهددين بالسجن في اي لحظة خاصة وأن المرسوم لم يضمن اي حقوق ولم يضع في اعتباره ضرورات الدولة الديمقراطية المدنية التي ضبطها الدستور.
*مبادرة برلمانية شجاعة:
تأتي هذه المبادرة البرلمانية في سياق العمل التشريعي الإعتيادي، وتعكس تطلعا مجتمعيا في البدء بتنقية الإطار التشريعي لحرية التعبير من الأدوات الزجرية والتنكيلية في اتجاه مقاربة مواطنية حقيقية على أنقاض بروبغندا تحاول حصر البرلمان في وظيفة ” مكتب ضبط”.
وتجدر الإشارة أن هناك دعوات ذات سقف عال بعضها من القوى الداعمة بشدة لمشروع الرئيس تدعو إلى. ” إلغاء المرسوم 54 وإيقاف القضايا التي أثيرت طبقا له ” أو سحبه خاصة وأن ” تطبيق المرسوم أنحرف وأصبح منطلقا لتوتير الأجواء وللتقرب والمغالطة” .
شارك رأيك