اعتبرت مؤسسة كابيتال إكونوميكس للبحوث ان أحد أهم المعضلات التي يواجهها الاقتصاد التونسي هو مسالة الديون الخارجية رغم تمكنها من سداد جميع ديونها الخارجية سنة 2023 والمقدرة حسب البنك المركزي التونسي بحوالي 3,8 مليار دولار، وفي نفس السياق أكد رئيس الحكومة السيد أحمد الحشاني التزام تونس بسداد ديونها في العام الجاري 2024.
بقلم وليد الكسراوي
مفاوضات صندوق النقد الدولي: دخلت المفاوضات بين تونس والصندوق نفقا مظلما منذ سنة 2022، في ظل تضارب المواقف بين رئاسة الحكومة السابقة التي عبرت عن موافقتها لتنفيذ حزمة الإصلاحات التي أملتها المؤسسة النقدية الدولية من رفع الدعم على المواد الأساسية، التفويت في المؤسسات العمومية وخوصصتها، رفع اليد عن الدينار التونسي وتحريره، خفض كتلة الأجور في القطاع العام وغيرها من الإجراءات الأخرى في حين رفضت رئاسة الجمهورية القيام بهذه الخطوات والتي اعتبرتها خطرا حقيقيا على السلم الاجتماعي وتداعياتها نحو مزيد تفقير الشعب التونسي.
رغم سداد الديون العام الماضي والذي يعتبره البعض خطوة إيجابية كمؤشر على قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية، إلا أن ذلك لن يمنع من وجود الانعكاسات السلبية، بما في ذلك صعوبة إيجاد تمويل للواردات خصوصا في ظل الاعتماد المتزايد على السوق الداخلية لتوفير هذه التمويلات خصوصاً ان قيمة الديون الداخلية لسنة 2024 تقدر بنحو أربعة مليارات دولار، وهو ما يجعل التحديات للسنة الجارية الأكثر صعوبة على الاقتصاد التونسي من حيث كلفة الديون، في بلد يعاني من عجز في المالية العمومية واضطرابات في وفرة النقد الأجنبي.
وفي سياق الإجراءات المرتبطة بمواجهة تلك التحديات، أقر البرلمان التونسي الموافقة على طلب الحكومة من أجل الحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي بقيمة سبعة مليارات دينار (2.25 مليار دولار).
أبرز التداعيات المحتملة:
لا يمكن الحديث عن تخلف تونس عن سداد الديون، باعتبار أن القسط الأكبر والذي كان يمثل خطراً على مستوى التخلف عن سداد الديون، نجحت الدولة في سداده ، عبر اللجوء إلى الاقتراض المباشر من طرف البنك المركزي في حين أن الديون المتبقية عبارة عن أقساط صغيرة متفرقة يمكن أن توفق تونس في سدادها.
على صعيد الديون الداخلية تجاه النظام النقدي التونسي، فإن الطريقة التي تنتهجها الدولة التونسية هي مزيد من الاقتراض المباشر من البنك المركزي لسداد ديونها الداخلية، وهو ما سيعطي نفسا في الأشهر القليلة القادمة تجاه التزاماتها الداخلية.
لكن ذلك لا يجب أن يحجب المخاطر التي ستكون انعكاساتها وخيمة على النمو الاقتصادي وما سينتج عنه من اختلال بالتوازنات المالية لميزاينة الدولة وهو ما بدأت ملامحه تظهر من خلال تراجع بعض المؤشرات الاقتصادية حسب إحصائيات المعهد القومي للإحصاء لشهر فيفري مثل مؤشر نسبة البطالة التي تفاقمت بصورة مخيفة الى حوالي 16,4% وتراجع نسبة النمو الاقتصادي في الثلاثي الأخير لسنة 2023 بنسبة 0,2-%.
وكانت وكالة “فيتش” قد خفضت تصنيف تونس في يونيو الماضي إلى الدرجة عالية المخاطر -CCC، في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وعدم وجود وضوح بشأن قدرة الدولة على توفير التمويل الكافي لتلبية احتياجاتها المالية.
عمليا لم تتخلف تونس عن سداد ديونها في الآجال وهو ما يؤكد بأن تونس رغم صعوبة التحديات حتى على الصعيد الإقليمي والعالمي لا تزال قادرة على مجابهة الأزمات ومواصلة كسب الرهانات الاقتصادية وإيجاد الحلول.
المكتسبات:
سجّلت العائدات السياحية في تونس حسب البنك المركزي ارتفاعًا بنسبة 28 ٪ في 2023 ، مقارنة بسنة 2022، لتبلغ 6.7 مليار دينار (حوالي 2.2 مليار دولار). هذا التحسّن في عائدات السياحة والعمل ساهم في تعزيز ارتفاع إيرادات البلاد من العملة الصعبة، التي تحوّلت قيمتها من 22.9 مليار دينار، إلى 26.2 مليار دينار.
اما في خصوص فيما تحويلات المقيمين بالخارج، تشير البيانات التي كشف عنها المدير العام لديوان التونسيين بالخارج، أنها تجاوزت 7 مليارات دينار (2.26 مليار دولار) في 2023 حتى الأسبوع الأول من ديسمبر.
رغم كل المجهودات التي تقوم بها الدولة التونسية للإيفاء بتعهداتها الخارجية والداخلية ورغم توجه الدولة لمكافحة الفساد عبر تفكيك رموز اللوبيات والعائلات المتحكمة بالاقتصاد الوطني و دعم المؤسسات الوطنية التي تعاني صعوبات مالية، تشجيع الشركات الناشئة ومحاولة إدماجها في الدورة الاقتصادية تبقى كل هذه الإصلاحات غير كافية لتحقيق نمو اقتصادي باعتبار ان المحرك الأول لدفع عجلة التنمية الاقتصادية هو الاستثمار عبر إقامة مشاريع كبرى من بنى تحتية، مدن صناعية وخدماتية إضافة إلى الاستثمار في القطاع الفلاحي او ما يسمى ”الأمن القومي الغذائي”.
شارك رأيك