المعركة الانتخابية بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري من أجل رئاسية آخر هذا العام بدأت تحتد و تأخذ منحي عنيفا بين المرشحين جون بايدن و دونالد ترامب الذين لن يترددا في استعمال كل الوسائل المتاحة منها و حتى غير المتاحة من أجل الإطاحة بالمنافس. المسرحية في بدايتها لأن الخلاف بين الرجلين بالنسبة للسياسات الكبرى للدولة يمكن اعتباره ثانويا جدا و خاصة بالنسبة للأزمة في الشرق الأوسط.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
خطابُ حالة الاتحاد الذي درج الرئيس الأمريكي على إلقائه كل سنة، خطابٌ مهمٌّ جدا للأمريكيين جميعا، فهو عبارة عن عرض لأداء الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية وما يمكن أن تقدّمه للشعب الأمريكي في الفترة المقبلة، وقد بدا الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن متحمّسا من البداية وعاقدًا العزم على تصوير الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه معادٍ للديمقراطية التي يدعو هو إليها، بل اعتبر أن منافسه المرشّح لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2024م بأنه يحارب الديمقراطية ويقتلعها من جذورها والدليل على أحداث الكونجرس في السادس من يناير من سنة 2021م، وخيّرَ الشعب الأمريكي بين الديمقراطية والفوضى، وكأنه يقول لهم انتخبوني في 2024 لتواصل الديمقراطية مسيرها ومسارها الطبيعي.
كما صوّر بايدن الرئيس السابق بأنه قد انحنى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأنه كان في الفترة الماضية على عكس ما فعله ترامب، فقد واجه بوتين بكل قوة من خلال تقديم الدعم اللازم لأوكرانيا عضو حلف شمال الأطلسي التي لم تستسلم إلى حدّ الآن، ورأى أن مقاومتها للاحتلال الروسي كما يزعم سيجعلها منتصرة للديمقراطية في العالم وتبقى أمريكا بالتالي قوية على الدوام.
حالة عداء خطيرة
بهذه الكلمات التي لا شك أحرجت الحزب الجمهوري وعلى رأسه رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون الذي أبدى امتعاضه من خطاب الرئيس بايدن، حيث بدا في كامل الخطاب متحفّظا على نبرة خطاب الرئيس الأمريكي وما يحمله من قرارات، فكان يهزّ رأسه تارة ويطلق ابتسامة ساخرة تارة أخرى، ويصفّق تارة جالسا بينما نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس تفعل ذلك واقفة طوال الخطاب مما يعكس حالة عدم التوافق بين الحزبين في حالة الاتحاد، بل وصل الأمر إلى حدّ التقاطع. فبينما تستفز هاريس جالسها بالوقوف في كل مرة دعمًا للرئيس بايدن يبقى جونسون جالسًا مستغربا ما يقوله بايدن ويراه كأنه في ساحة معركة يأمر فيها الجنود للاستعداد لحرب قادمة.
وقد بدا الخلاف الجوهري واضحًا بين الحزبين وامتد للجمهور، حيث تجد النواب الجمهوريين لم يعبأوا بخطاب الرئيس في غالب أحواله، منهم من يلعب بهاتفه النقال ومنهم من يتصنّع النوم، ومنهم من يتحدث مع جليسه، وكلما تحدث الرئيس بايدن عن مشاريعه المحلية التي كانت محل خلاف مع الرئيس السابق صفّق الديمقراطيون بقوّة، مرة وقوفًا ومرة جلوسًا، لكن الجمهوريين يرفضون القيام بذلك تعبيرًا عن رفضهم لكثير مما قاله. مما يفسر حالة العداء الخطيرة بين الحزبين في الكونجرس وقد يأخذ هذا العداء مستقبلا أشكالا من الصراع الحاد على السلطة خاصة في هذه السنة الانتخابية.
ولئن كان جونسون لم يعجبه خطاب بايدن على الأغلب، فإن بايدن نفسه كان يتمنى أن يتراجع الجمهوريون عن افتزازاتهم المتواصلة للحزب الديمقراطي و يحترموا الديمقراطية التي فهمها بايدن بطريقته الخاصة وحاول أن يروّج لها في خطابه حول حالة الاتحاد، فخاطب الأمريكي العادي واهتم بالشركات المتوسطة التي اعتبرها قوام الاقتصاد الأمريكي وهاجم الشركات الكبرى واحتكارها وتهرّبها من أداء الضرائب وفي ذلك إشارة واضحة إلى رجال أعمال كبار ومنهم طبعا دونالد ترامب الذي يملك من العقارات الكثير غير أن دعوته تلك وإن استحسنها البعض اعتبرها البعض الآخر استفزازًا واضحًا للنيل من الرئيس السابق قبل أن يخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
هل تحدث مفاجآت
ولا شك أن الرئيس الأمريكي كان هدفه من البداية إبعاد ترامب عن خوض الانتخابات من أساسها من خلال تشويه صورته أمام الناخب الأمريكي وإغراق اسمه في المحاكم والقضايا التي تلاحقه، وبالتالي حرمانه من خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لكن ترامب استطاع بعناده أن يتجاوز كل ذلك رغم صعوبتها ليترشح في الولايات المتعددة ويبقى الخصمَ المرشح الأوفر حظًّا على مستوى الحزب والخصمَ العنيد لبايدن في انتخابات نوفمبر 2024م إلا إذا حصلت في قادم الأيام والشهور مفاجآت أخرى تحرج ترامب أمام منافسه بايدن الذي يبدو أن لياقته البدنية لا تسعفه كثيرا لخوض سباق الرئاسة القادم.
وبقدر تشاؤم الحزب الجمهوري من خطاب بايدن، يبقى متفائلا لإسقاط إدارته في المرحلة المقبلة وتقويض سياساته المعادية لخصمه ومنافسه دونالد ترمب، ولذلك ستتعاظم هذه الخلافات بين الحزبين في الأشهر القليلة المقبلة قبل بدء الانتخابات الرئاسية وستكثر الهجمات السياسية بينهما ويلوم كل حزب الآخر بأنه السبب في ما يحدث لأمريكا من انقسام واضح وبيّن للعيان بين قطبي الأحزاب السياسية. و من الواضح ان الخصام و العراك سيتواصل بين الحزبين ويشتد قبل الانتخابات الرئاسية القادمة وأن كل حزب سيستعمل كل الوسائل المتاحة لإفساد خطط وأجندات ومناورات الحزب الآخر. الواضح أيضا أن المعركة ستتجاوز الولايات المتحدة و مصالحها الداخلية و الخارجية و ستشمل أيضا سياستها الخارجية و المعارك التي تخوضها في أوكرانيا و الشرق الأوسط و الصراع الاستراتيجي مع الصين الصاعدة و غيرها من الجبهات المفتوحة.
شارك رأيك