الظاهر أن العملية الانتخابية في تونس بصدد الرجوع إلى “ثوابتها” القديمة : مرشح وحيد و فوز بأكثر من 90 في المائة من الأصوات. و كل ما نرجوه ونحن نكتب هذا الكلام هو أن تكذب الأيام تخوفاتنا و إن كنا قد فقدنا الأمل في ذلك منذ فترة ليست بالقصيرة.
بقلم أحمد الحباسي
هل يخرج الرئيس قيس سعيد للعموم معلنا ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة بعد أن تولى القضاء مأمورية ندد بها الكثيرون في الداخل و الخارج وهي فتح ملفات تحقيق خالية من التهم الجادة و يرى البعض أن الغاية من ورائها بث الخوف و عدم الأمان في نفوس كل مرشح، رغم قلتهم، بإمكانه أن يحوز على ثقة الناخبين.
هذه الملاحقات القضائية تثير كثيرا من النقد لأنها تستهدف أصحاب الرأي و ألسنة التعبير و تؤكد ما نراه في تونس اليوم من تراجع على كل المستويات خاصة أن الفساد قد أصبح هو القاعدة و ليس الاستثناء.
ربما ظن البعض من فرط سذاجتهم أن الرئيس قيس سعيد لن يترشح لعهدة رئاسية ثانية اعتمادا على ما ثبت بالتجربة و بالعين المجردة من كون الرجل لا يملك مشروعا أو خطة أو خارطة طريق بإمكانها إنقاذ تونس على كل المستويات و إن كان له فعلا مشروع أو خطة أو خارطة طريق فنحن لم نر بعد لها أية نتائج مادية تذكر. ربما ذهب خيال البعض بعيدا حين قام الرئيس ب”الانقلاب على الدستور” كما يقول البعض و تسلم كل السلطات و ظنوا أنه سيغيّر الكثير بعصا سحرية فوجدوا أنفسهم أمام سياسات بدون رؤية قادرة على تغيير الأشياء.
الانتخابات في موعدها و لكن مع أية مرشحين ؟
هناك قرار رئاسي بان الانتخابات ستجري في موعدها، لكن من سيحضر هذه الانتخابات و من سيشارك فيها في منافسة مع الرئيس المستفرد بالسلطة و الذي تخضع كافة دواليبها إلى إمرته؟
من سيتجرأ على إعلان ترشحه بعد أن تم إفراغ الساحة أمام السيد الرئيس بفتح ملفات تحقيق يجمع المحامون أنها فارغة و أن التهم مجردة و كيدية و “وراءها إنّ” كما يقال؟
من سيقامر بالترشح بعد أن لاحظ ما حصل لبعض المرشحين مثل السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و التي تتعرض إلى مساءلات قضائية يعتبرها الكثير مظلمة صارخة بفعل فاعل و لا نظن أن تنديد عديد المنظمات الدولية مثل آمنستي انترناسيونال أخيرا قد حصل من فراغ.
بطبيعة الحال هناك تجاهل رئاسي معلن لكل ما يصدر عن منظمات المجتمع المدني الوطنية و الدولية من تنديد و احتجاج و لكن الثابت أن السيد الرئيس و بهذا الموقف قد وضع موضوع الحقوق و الحريات محل جدل واسع داخليا و خارجيا و بات حديثه عن تحقيق مطالب الثورة غير جدي.
المثير للتساؤل أيضا أن السيد الرئيس قد نصّب نفسه سيفا مسلطا على رقاب كل مرشح يعتبره حسب مقاييسه المختلقة صاحب سوابق أو قابضا لتمويلات من الخارج أو غير وطني و قد سبق أن أعلن الرئيس أنه لن يسلم تونس للخونة و التابعين للخارج.
يرفض السيد الرئيس ضمنيا أن يترشح شخص سبق أن رفض ما سماه المشاركة في المحطات الانتخابية السابقة وهي انتخابات أسالت كثيرا من الحبر لما سبقها و شابها من سلبيات و من رفض شعبي تؤكده نتائجها النهائية المعلنة من هيئة الانتخابات نفسها و هو موقف قد يؤثر سلبيا على الناخبين و يضر بمصداقية العملية الانتخابية و يهدم بعضا من أسس الديمقراطية وهو التعددية و الشفافية و النزاهة.
يرفض السيد الرئيس أن يقرّ بأن ضعف نسب المشاركة في كل الانتخابات التي نظمها و وضع قواعدها بنفسه هي تعبير صريح على تغيّر واضح و عدم قناعة شعبية سواء بأهمية المشاركة أو بأن الرئيس قد احترم قواعد اللعبة الديمقراطية حين دعا إلى استفتاء أو انتخابات وضع قواعدها على المقاس و لذلك لا يزال سيادته يطلق شعاراته الشعبوية و الحال أن مؤشر ارتفاع الأسعار قد عانق السماء و الوضع العام من سوء إلى أسوأ.
الانتخابات في تونس بصدد الرجوع إلى “ثوابتها” القديمة
لا يريد السيد الرئيس الاعتراف بوجود حالة تراجع صارخة عن الحريات أو توظيف للقضاء أو تنكيل بالمعارضين خاصة من بعض الأسماء الجادة القادرة على منافسته لغاية منعهم من الترشح أو التعبير عن رأيهم في سياسته و أنه يسعى بوضوح إلى تفصيل الانتخابات الرئاسية القادمة على مقاسه لضمان فوز ساحق يراه كفيلا بلجم كل الأصوات التي تندد بفشله و تتحدث عن ديكتاتورية ناشئة.
لقد تعمد السيد الرئيس القيام بقراءة سياسية أراد منها الإيحاء بأن من وضعهم في السجن منذ 25 جويلية 2021 هم حفنة من قطاع الطرق السياسيين و لقطاء السفارات المتآمرين و المستحوذين على المال العام و المتآمرين على أمن و سلامة البلاد و رغم أن جزء كبيرا من الرأي العام قد كشف أن هذا غير صحيح خاصة بالنسبة لبعض المرشحين المحتملين مثل عبير موسي و المنذر الزنايدي و ألفة الحامدي الذين يخضعون إلى هرسلة قضائية فإن سيادته لا يزال يواصل تنفيذ خطته بصيغ مختلفة.
هذه العملية السياسية التي ساهمت فيها وجوه قضائية لا يمكن أن تكون إلا نتاج خطة تهدف إلى فسح مجال الانتخابات الرئاسية للرئيس المتخلي دون غيره و ضرب المنافسة الانتخابية في مقتل و تيسير المرور في تطبيق قواعد منظومة تنعدم فيها قواعد المشاركة و آليات المعارضة و يتم القفز فيها على أهداف الثورة لتصبح تونس أحد جمهوريات العالم الثالث الرازحة تحت الحكم الفردي.
لماذا يتحدث الجميع و آخرهم الصحفي محمد بوغلاب عن وجود سياسة تشفي و تنكيل يقع تنفيذها ضد المعارضين المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسية القادمة و صلت حد التنكيل بعائلاتهم مثلما حصل مع زوجة السياسي غازي الشواشى القاضية الفاضلة السيدة صوفية بن عاقلة؟
لماذا يندد السيد الرئيس ببطء القضاء في الظاهر و في كل مناسبة حين يتعلق بفتح قضايا ضد ما يسميهم بالفاسدين و لا يندد بنفس هذا البطء حين يتعلق الأمر بالقضايا المفتعلة التي تخص خصومه في المعارضة؟
هل انتصر السيد الرئيس في معركته الرامية إلى إفراغ الساحة السياسية من الصوت المعارض و من وجود مرشح منافس له في الانتخابات القادمة؟
الظاهر أن العملية الانتخابية في تونس بصدد الرجوع إلى “ثوابتها” القديمة : مرشح وحيد و فوز بأكثر من 90 في المائة من الأصوات. و كل ما نرجوه ونحن نكتب هذا الكلام هو أن تكذب الأيام تخوفاتنا و إن كنا قد فقدنا الأمل في ذلك منذ فترة ليست بالقصيرة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك