من الواضح اليوم أن الرئيس قيس سعيد لا يريد التفاعل مع ملف الإرهابيين التونسيين في سوريا كما لا يبحث له عن حل مناسب و من الواضح أن هناك من نصح السيد الرئيس بعدم إدخال يديه في بؤرة ملغومة من شأنها أن تمثل خطرا على الأمن القومي. (الصورة : لقاء الرئيسين قيس سعيد و بسار الأسد في جدة يوم 19 ماي 2023).
بقلم أحمد الحباسي
كم عدد المعتقلين التونسيين بالسجون السورية على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم إرهابية؟ الجواب عن هذا السؤال صعب وصعب جدا أولا لأن الصحف و كل وسائل الإعلام العالمية و المحلية تقريبا قد ذكرت أعدادا مرتفعة وأرقاما مختلفة. و ثانيا لأن التحقيقات التي شارك فيها البعض في تونس تتحدث عن الآلاف و ثالثا لأن الدولة التونسية التي قطعت كل اتصال مع الحكومة السورية في عهد حكم حركة النهضة التي سهلت عملية تسفيرهم للتراب السوري في نطاق تعاونها مع المخابرات الصهيونية الأمريكية القطرية التركية لم تبد لحدّ الآن تعاونا موثوقا و مستمرا مع السلطات السورية المتعهدة بهذا الملف لمعرفة حيثياته و أعداد الموقوفين. الأمر الذي زاد من معاناة العديد من أهالي هؤلاء القتلة.
لعله من سخرية الأقدار أن توفر السلطات السورية كل التعاون لترحيل هؤلاء المجرمين (أو هذا ما يقال على الأقل) في حين تبدى الحكومة التونسية الحالية كثيرا من التردد و اللامبالاة تماما كما حصل مع كل الحكومات السابقة (أو هذا ما يبدو على الأقل في غياب أي حديث رسمي حول الموضوع).
ملف تسفير الإرهابيين التونسيين إلى سوريا من طرف حركة النهضة شائك و معقد و تداخلت فيه عدة أطراف على كل المستويات داخليا و خارجيا و لعبت فيه حكومة قطر دورا كبيرا سواء على مستوى تمويل أو تدريب أو تسليح أو تسفير أو توفير الغطاء الأمني لكافة المجموعات الإرهابية التي استقطبها الجهاز السري لحركة النهضة بالتعاون مع المخابرات القطرية. كما تبين من الأبحاث تورط كوادر أمنية تونسية كبرى فيما يعرف بالجهاز الأمني الموازى الذي زرعته الحركة داخل وزارة الداخلية ثم وفر له على العريض الغطاء بمجرد وصوله إلى سدة الوزارة بتعليمات صريحة واضحة من رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي الذي يقبع حاليا بالسجن دون مساءلة صريحة في خصوص ملف تسفير الإرهابيين و تفرعاته.
ربما رأت الحكومة السورية مصلحة أمنية و قومية و عربية واضحة حين عبرت عن استعدادها التام لتسليم كل الإرهابيين التونسيين المعتقلين لديها لمن يمثل السلطات الرسمية التونسية آخذة في الاعتبار المشاعر الايجابية الشعبية التونسية المتجاوبة مع النظام السوري و الرافضة لكافة عناصر المناورة و المؤامرة التي نفذها ما يسمى “بأصدقاء سوريا” لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
من الواضح اليوم أن الرئيس قيس سعيد لا يريد التفاعل مع ملف الإرهابيين التونسيين في سوريا كما لا يبحث له عن حل مناسب و من الواضح أن هناك من نصح السيد الرئيس بعدم إدخال يديه أو بالأحرى قراره السياسي في بؤرة ملغومة من شأنها أن تمثل خطرا على الأمن القومي زايد أن إرجاع هؤلاء القتلة يتطلب إرجاع عائلاتهم و بالذات “أبنائهم” الذين ولدوا في ظروف غير طبيعية و تربوا في بيئة عنيفة. و رغم أن هناك من طرح مسألة العفو عن هؤلاء القتلة بشروط فإن هذا الاقتراح المشبوه لم ينل ثقة الرئاسة التونسية و أثار ريبة القيادات الأمنية و العسكرية التي لا تنظر بعين الرضا لعودة مجموعات إرهابية عالية التدريب يسهل استقطابها من جديد لتمثل صداعا مؤلما يضر بالسلم الاجتماعية و بالمناخ الأمني الهش الذي تعيشه البلاد.
ما يقال سرا و جهرا أنه لا أحد يحبذ رجوع القتلة إلى تونس بل هناك من يتساءل لماذا لا تتكفل قطر و تركيا و إسرائيل بالخصوص بتوفير الملاذ لكل هؤلاء الذين خدموا مشروعهما الإرهابي في سوريا و العراق مذكرين كيف تولت إسرائيل معالجة الجرحى في مستشفياتها و تقديم الدعم لهم بكل الطرق.
ملف الإرهابيين في سوريا هو الجبل الذي يخفى وراءه ملفات عصيّة أخرى مثل ملف الإرهابيين التونسيين العالقين في العراق و ليبيا و بطبيعة الحال هناك من كان يحمل آمالا كبرى على إمكانية العودة القريبة لحركة النهضة للحكم و توليها استرجاع حضانة و تدبير شؤون هؤلاء الإرهابيين الذين لا يخجل الشيخ راشد الغنوشي من وصفهم بأبنائه الذين يذكرونه بشبابه الإرهابي الدموي لكن من الواضح أن دخول شيخ الحركة و مرشدها السجن قد جاء لوضع حد نهائي لكذا احتمالات مخيفة.
لا يمكن إنكار وجود دراسات و ندوات و تصريحات أرادت كشف أسرار هذا الملف المركب لكن الثابت أن السلطة التونسية ليست راغبة في استرجاع هذه “الهدية” السورية الملغومة و تفضل تقطيع الوقت حتى تتغير الظروف و يضطر النظام السوري إلى معالجة ملف هؤلاء المرتزقة القتلة بالطريقة التي يراها مناسبة.
لقد قضت حركة النهضة على مصير أجيال كاملة و تسببت في إراقة دماء الآلاف من الأبرياء و ضرب الوحدة الوطنية في مقتل ليطرح السؤال : من سيحاكم راشد الغنوشي و زبانيته؟ متى سيتم القصاص لشهداء الإرهاب؟ متى ستحرك القضاء بفاعلية في هذا الملف و متى ستكشف كافة الأدوار؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك