- أتوجه إليك بهاته الرسالة بكل ما تقتضيه أخلاقيات رجال الدولة وقواعد اللياقة والكياسة فقد نشأتُ في جيل يقر أن للدولة هيبة وأن لرجالها ونسائها مقامات تحفظ.
تونس اليوم، وفي ظل الحكم المطلق، تعيش ظروفا دقيقة وصعبة، ولم يعد المستقبل مصدر أمل ورجاء بل عنوان قلق وخوف للتونسيين.
السيد الرئيس قيس سعيد: أتوجه إليك وتونس تحتفي بعيد الاستقلال، استقلال وطن استأمنتنا عليه أجيال بذلت في سبيله الغالي والنفيس، وأنا أستحضر بهذه المناسبة أن ما يجمع التونسيين أكثر مما يفرقهم أرجو الله ألا يضيق صدرك لتسمع من تونسي غيور على وطنه يحدوه أمل أن تتذكر أن الحكام ذاهبون والوطن باق وأنه “لو دامت لغيرك لما آلت إليك”.
لا تكن رئيس التجهم والكراهية وكن رئيس الابتسامة والتسامح. فلا تحتكم لهواك ولا تطلق الأبواق الناعقة تنفث سموم الحقد دون رادع أو وازع، وإنما عليك بسعة الصدر والقبول بالرأي الآخر وجعل مصلحة البلاد بوصلتك الوحيدة.
لا تكن رئيس الهدم ورئيس التهديد والوعيد وكن رئيس البناء ورئيس حسن الظن والأخبار السارة. فمجتمع الثقة والاطمئنان والانفتاح على الآخر أفضل من مجتمع الشك والخوف والانكفاء على الذات. وتونس المتصالحة مع تاريخها، المتصالحة بين أبنائها، المتصالحة بين أصالتها وحداثتها، المتصالحة مع شبابها وسعيهم نحو الأفضل، خير لنا من تونس التي تنخرها التجاذبات وتمزقها المعارك المفتعلة ويستمر نزيف هجرة شبابها وكفاءاتها.
لا تكن “رئيس الشعبوية” الذي يؤلب بين التونسيين ويحرض بعضهم على بعض وكن رئيس “الوحدة الوطنية” الذي يحكم ويصلح ولا يظلم. فلا تستعمل قضايا الحق كمحاربة الفساد والمحافظة على المال العام في معارك باطلة وخاطئة للتشفي والانتقام وقتل المنافسة، فالفساد لا يحارب بالاستبداد، واحتكار السلطة وفسادها مثل إحتكار المال وفساده: وجهان لعملة واحدة.
لا تكن رئيس “الحقيقة المطلقة” والاستبداد بالرأي، ولا تكن رئيس المراقبة وتقييد الحريات الذي يعتبر نفسه فوق الخطإ وفوق المحاسبة، وكن رئيس المشورة والضامن لحرية التعبير واستقلال القضاء ووسائل الإعلام. ولا تمسح فشلك في المتعاونين وأعوان الدولة الذين اخترتهم بمحض إرادتك ثم أقلتهم بجرة قلمك ولم تحفظ لهم قدرا ولا معروفا. فرجل الدولة لا يهين من هم في خدمتها ولا يجعل من ترذيل الإدارة منهج حكم، لأن هيبة الدولة وقوتها من كرامة أعوانها ومواطنيها.
لا تكن رئيس “دولة الكساد” وانهيار كل المؤشرات الاقتصادية وتراجع المقدرة الشرائية والنقص الحاد في مواد أساسية أصبح التونسيون يعانون من أجل الحصول عليها، مما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر واحتدام الفوارق الاجتماعية وتفاقم حجم التداين للأسر التونسية، وكن رئيس دولة القوة والعدل والإدارة الحكيمة. فلا تنشغل عن واجب توفير مقتضيات العيش الكريم للتونسيين بإلهائهم بمسلسل الملاحقات والإيقافات التعسفية، لأن امتلاء السجون بنساء ورجال من معارضين سياسيين ومخالفي الرأي، لم ولن يملأ البطون.
لا تكن رئيس اهتزاز صورة البلاد وتراجع مكانتها في الخارج. وكن رئيس العدل والحق في الداخل والقوة والعزة في الخارج. فلا تعرض بلدنا لخطر “الإفلاس السيادي” ولا تؤسس لدبلوماسية الاستجداء والمقايضة بثوابت الوطن وسيادته.
لا تفوت على تونس فرصة الاستدراك والقطع مع ثقافة الهدم. فلعله من مؤشرات نهاية الحكم مشاهدة الخصوم والأعداء والمؤامرات في كل مكان وفي كل وقت، وليس أقسى على الحاكم من سيطرة الشعور بالعجز والفشل والعزلة وأنه استنفذ كل الحلول ولم يبق أمامه سوى خيار واحد: الهروب إلى الأمام والذهاب بالبلاد إلى المجهول.
ختاما إن كان هذا الخطاب لا يعنيك وإن كنت تفضل استبدال قوة الحجة بحجة القوة، فإنه يعنيني ويلزمني ولي شرف التوجه به إلى كل من ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. فإن كنت تريد من هذه الانتخابات فرصة لإدامة معاناة التونسيين والدخول بالبلاد في نفق جديد من الخيبة والإخفاق بعد أن قضيت 5 سنوات تزامنت مع تراجع البلاد في العديد من المجالات، فإننا نريد أن نجعل منها أملا حقيقيا في الإقلاع وإعادة البناء. وعلى التونسيين أن يختاروا…وحتما سيختارون.
ربي يحفظ تونس
منذر الزنايدي
شارك رأيك