يبدو أن الرئيس قيس سعيد لم يفهم لحدّ الآن أن الكرامة كل لا يتجزأ فالجائع ذليل و كل من لم يتمكن من امتلاك أمره فى قوته ذليل لذلك عليه أن يتفهم أنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد و أن فقدان رغيف العيش يدفع المحتاج إلى التنديد و الانتقاد و ربما الثورة على حكم دولة الفشل الحاصل.
بقلم أحمد الحباسي
لا أدري صراحة كيف أبدأ و لكن، و على كل حال، فلنبدأ بالسؤال التالي : لماذا يحكموننا؟ أي نعم لماذا يحكمنا الرئيس قيس سعيد و حكومته المتوارية على الأنظار؟ أي نعم، أشبعنا سيادة الرئيس خطبا و مواعظ و تهديدات و تلميحات و روايات، هذا صحيح، لكنه لم يشبع بطوننا حتى بالكمية الغذائية الدنيا المضمونة لكل مواطن، “السميغ” الغذائي يعنى بلغة المحاسبين و خبراء التغذي.
هذه هي الحقيقة و لا غيرها و هنا بيت القصيد لنتساءل لماذا يصر سيادة الرئيس على كونه يتأسّى بسيرة الخليفة عمر بن الخطاب وهو غير قادر على تمكين المواطن مما يسدّ الرمق و من توفير كل السلع الحيوية في الأسواق مكتفيا باجترار نفس الاتهامات منتهيا إلى نفس النهايات الواهية في كل خطاب منزوع الدسم يتفضل به في الدقائق الأخيرة التي تسبق منتصف الليل.
لماذا يضع الرئيس نفسه موضع المقارنة بين خليفة عادل و رئيس غير قادرقليل و ماذا يهم البطون الخاوية سوى كان الرئيس إسمه عمر بن الخطاب أو بابلو إسكوبا؟
عودة التلحيس و هزّان القفة
مهما حاول الكرونيكور نجيب الدزيري أو رياض جراد أو من لفّ لفهما في تقديم المعلومات الخاطئة أو تضليل الرأي العام أو ما يسمى بالتلحيس و هزّان القفة و تبييض السيرة فالحاصل فى الواقع المعيش أن هناك حالة عجز مستمرة و ضيق أفق على كل المستويات و دوران في نفس المكان.
لم ينجح السيد الرئيس في حربه “الإعلامية” على الاحتكار رغم تسخير دواليب المراقبة الأمنية و صياغة قانون ثبت عدم جدواه و عدم قدرة القضاء على تطبيقه. هذا هو الواقع بدليل عجز “حكومة الظل” التي يقودها السيد أحمد الحشاني على توفير أدنى السلع التموينية على مدار السنة و في هذا الشهر الفضيل بالذات رغم ما قدمته من وعود واهية وساذجة كما لم ينجح أي وزير في هذه الحكومة على بلورة مشروع أو رؤية أو خطة تؤكد أنه رجل دولة بامتياز و من نراهم يتنقلون على الشاشات هم مجرد أسماء بلا طعم و لا لون و لا رائحة عاجزون تمام العجز حتى على النطق بجملة مفيدة.
حديث السياسة اليوم يشبه الماء الذي يتحرك تحت كومة من القشّ إذ لم يعد مسموحا لأحد أيّا كان موقعه أو توجهه برفع صوته للانتقاد أو حتى النقد فضلا على أن هناك تيار إعلامي يقوده السيد رياض جراد يسعى بقوة لعدم السماح بمجرد التفكير في مواجهة شعارات الرئيس أو نقد حملته الرئاسية السابقة لأوانها و التي يستغل فيه سلطته للقيام بالتعبئة الشعبية.
الثورات تقوم دائما من أجل رغيف
لعل الأخطر هو حالة الانسداد التي فرضها السيد الرئيس و رفضه التام للحوار و مكاشفة المواطنين و الاستماع إلى نقدهم لتصرفاته العشوائية التي زادت منظومة الاحتكار عنادا لتضعه في مواقف محرجة و هذا الجو الخانق قد يخلق مناخا سيئا لأن الانتهاء إلى مرحلة انعدام الحل و الأبواب الموصدة كلها أمور تجعل التحرك لحماية أسس الدولة من الانهيار تحصيل حاصل خاصة و أن هناك أطراف سياسية مشبوهة مثل حركة النهضة و ما يسمى نفاقا بجبهة الخلاص الوطني تسير في ركاب أطراف ترى أن أجمل سيناريو هو تدخل أصحاب الأحذية الغليظة.
الثورات تقوم دائما من أجل رغيف الخبز و الحاكم يفقد شرعيته حين يعجز عن توفير رغيف الخبز بسعر يراعي المقدرة الشرائية للفقراء و المحتاجين. في تونس فقد المواطن السميد في بادئ الأمر دون أن تستطيع حكومات السيد الرئيس معالجة الأمر بالسرعة المطلوبة و حين توفرت كميات قليلة ارتفع سعر الرغيف وانخفض وزنه فأضحت الخبزة خفيفة الوزن هزيلة الحجم بحيث أنه و بالتجربة و المعاينة و المعايشة ظل الرغيف و نظرا لضآلة حجمه لا يحدث أي أثر حين يدخل البطن الجائعة إلا بعد مضاعفة الكمية إلى الضعف أو ربما ثلاثة أضعاف.
بطبيعة الحال و حين تشاهد تلك الطوابير الطويلة وحالات العنف و تشابك الأيادي الغاضبة تدرك أن الرئيس قد لم يفهم ما يحدث و لم يستطع فك شفرة الاحتكار و تهريب المؤن الغذائية و إظهارها على طريقة الري قطرة قطرة التي يعتمدها مهربون محترفون يقال أن لهم علاقات وطيدة مع بعض الكوادر الأمنية التي تتغاضى عن وجود مستودعات التهريب و تتلهى بمطاردة بعض صغار تجار البرويطة من باب رفع العتب و تسجيل الحضور.
التعامل مع الحالة الاقتصادية بسياسة النعامة
حين اندلعت أحداث 14 جانفىى 2011 تقدم رغيف الخبز على كل الشعارات الثورية التي نادى بها المتظاهرون من “الحرية” و “الكرامة” و “العدالة الاجتماعية” في هتافات الشارع و كتابات الجدران و مع ذلك لا يزال هناك من يصرّ من باب الترف الجدلي مثل وزير الفلاحة السابق نورالدين بالطيب بأن سبب فقدان الخبز هو استعمال السميد في إعداد “الملاوي” و خبز الطابونة العربي و بيع الكسكروت العيارى الشهير.
المشكلة الآن أن سيادة الرئيس بسياسته الفاشلة و تعامله مع الحالة الاقتصادية بسياسة النعامة قد خلق حالة من الثراء في الأزمات و التنوع في الكوارث و تعددية الضائقات التي أسهمت في توسيع دائرة الإحباط و زادت من حدة الأزمة و انعدام فرص الحل.
سيادة الرئيس لم يفهم لحدّ الآن أن الكرامة كل لا يتجزأ فالجائع ذليل و كل من لم يتمكن من امتلاك أمره فى قوته ذليل لذلك عليه أن يتفهم أنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد و أن فقدان رغيف العيش يدفع المحتاج إلى التنديد و الانتقاد و ربما الثورة على حكم دولة الفشل المعلن.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك