بيان عمادة المحامين التونسيين الصادر يوم 20 مارس 2024 يشكل ضربة مباشرة و قوية لمسار 25 جويلية 2021 ولعل ما تضمنه من اتهامات مباشرة للرئيس قيس سعيد سيعطي زخما قويا للأصوات الداعية إلى فك الارتباط بنظام يجمع بعضهم أنه يسير في الاتجاه المعاكس و لا يقدم حلولا بقدر ما يخلق من مشاكل.
بقلم أحمد الحباسي
من يطالع بيان عمادة المحامين بتونس المؤرخ في 20 مارس 2024 و ما تضمنه من تقييم عام لوضع المحاماة و مطالبات موجهة للسلطة الحاكمة مباشرة و وضع بعض النقاط على الحروف لا يمكنه إلا أن يتساءل عن توقيت هذا البيان الملغوم و لماذا تم الاختيار على يوم عيد الاستقلال دون تواريخ أخرى بل ماذا وراء تحريره بهذا الشكل الذي تضمن اتهامات خطيرة يجمع الملاحظون أنها موجهة للسيد رئيس الجمهورية رأسا دون غيره مع غمز من جهة أن العمادة قد أصبحت لا ترى في مسار ما يسمى ب25 جويلية 2021 الذي صفقت له العمادة نفسها بكلتا اليدين في عهد العميد السابق إبراهيم بودربالة (الرئيس الحالي لمجلس نواب الشعب) إلا نزوعا نحو حكم الفرد الواحد و مشروع نظام استبدادي ألغى كل المؤسسات بجرة قلم أو ما يسمى ب”انقلاب الفصل 80″ من الدستور.
تغول السلطة و استفراد الرئيس بالحكم
ما جاء ببيان العمادة يطرح سؤالا أكثر صراحة حول هوية التيّار الغالب في “عمادة الأستاذ حاتم مزيو” و الذي فرض توقيت البيان و خروج نصّه بهذه القوة و لماذا خلا البيان من تفسير واضح و صريح لما تعتزم العمادة القيام به من خطوات تصعيد لمواجهة تغول السلطة و استفراد الرئيس بالحكم.
لا ندري صراحة حالة و مشاعر العميد حاتم المزيو و هو يمضى البيان كما لا ندرك كيف قبل التيار الذي ينتمي إليه بتمرير هذا البيان القنبلة دون تضمينه بعض الإشارات التي تؤكد للسلطة أن هذا البيان لا يأتي في سياق أو لغايات سياسية معينة تثير حفيظة و غضب الرئيس قيس سعيد.
لنقلها بمنتهى الوضوح لا يمكن لعمادة المحامين في وضعها المتردي و انقسامها المعلن و ما يتردد حول سوء التصرف و ضرورة المحاسبة أن تقف بندية أمام سلطة السيد الرئيس قيس سعيد كما لا يمكنها أن تتجاهل أن هذا البيان الذي يمكن أن يكون قد تمّ تمريره تحت الضغط لا يمكن أن يمثل الرأي السائد في دوائر المحامين و الذين يرون أن تحميل السلطة فقط وزر الأوضاع السيئة لقطاع المحاماة بصورة عامة هو خطأ و إعلان إفلاس أفكار كل الهيئات السابقة و الحالية على حدّ سواء التي عكرت الوضعية بدل استنباط حلول ملموسة لقطاع المحامين الشبان على سبيل المثال.
أيضا يتساءل المراقبون عن وضعية صندوق الحيطة و التقاعد للمحامين الذي وضعه العميد في أولويات مشروعه الانتخابي دون أن ينفذه و هو ما يلقي عديد الشبهات حول وجه التصرف في أموال الصندوق و ما تعلق به من شبهات سوء تصرف اعتبرها البعض حالة من حالات الفساد.
تواصل محاكمات الرأي و هرسلة المحامين
ربما جاء بيان العمادة مجرد فضفضة و ترصيف عبارات تنديد من باب رفع العتب بع أن تعالت بعض الأصوات داخل العمادة متسائلة عن صمت العميد تجاه محاكمات الرأي و هرسلة المحامين و سلبية العميد إزاء ما يتعرض له زملاؤه الأساتذة عبير موسي و رضا بالحاج و غازي الشواشي و غيرهم من تنكيل أو ربما رأى فيه البعض تعبيرا عن حالة إحباط لدى العميد مع بعض أعضاء الهيئة الذين وقفوا موقفا ايجابيا و دعموا مسار 25 جويلية 2021 بعد أن تبين أن حساب البيدر لم يلاق حساب الحقل و أن العميد بالذات لم ينل من هذه المساندة لا بلح الشام و لا عنب اليمن نتيجة ما أشيع عن طموحات سياسية قابلتها بعض الجهات في النظام بمجرد وعود بقيت حبرا على ورق.
إن وقوف السيد العميد بالذات إلى جانب الرئيس قيس سعيد يعتبره كثير من المحامين خطرا على استقلالية المحاماة بحيث لم يتورع الأستاذ محمد عبو في مداخلة على إذاعة إ.ف.م يوم 10 جانفى 2024 عن وصف العميد بكونه يدعم نظاما وصفه بالاستبدادي منتقدا صمت العمادة عما يتعرض له المحامون من تجاوزات السلطة معتبرا أن العميد قد خذل العمادة وهو موقف أعلنته هيئة الدفاع عن الأستاذة عبير موسي في كل نقطها الإعلامية شاطرها فيه الأستاذ رضا بلحاج المحامي الموقوف لأسباب يقال أنها سياسية لا غير.
استفاقة مفاجئة للعميد و العمادة
لا ينكر كثير من المتابعين أن بيان عمادة المحامين يشكل ضربة مباشرة و قوية لمسار 25 جويلية 2021 نظرا للمواقف المساندة للعميد في فترات سابقة و لعل ما تضمنه البيان من اتهامات خطيرة مباشرة للرئيس قيس سعيد سيعطي زخما قويا للأصوات الداعية إلى فك ارتباط بعض الموتورين بنظام يجمعون أنه يسير في الاتجاه المعاكس و لا يقدم حلولا بقدر ما يخلق من مشاكل يضاف إلى ذلك أن صدور البيان في يوم الاحتفال بعيد الاستقلال له رمزية تؤكد أن استقلال البلاد مهدد و أن حماية السيادة الوطنية ليس شعارا رنانا بل فعلا تراكميا ناجزا يؤدى إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية.
ربما يحتاج المتابع لبعض الوقت لفهم خلفيات بيان العمادة خاصة أن هناك تساؤلات واضحة عن أسباب ما وصفه الأستاذ لزهر العكرمي بالاستفاقة المفاجئة للعميد و العمادة و هل هي ناتجة عن قراءة سياسية جديدة و هل أن ما تبقى من مصداقية للعميد كفيل أن يجعله يقود المحاماة كقاطرة للحقوق و الحريات و هل أن البيان يأتي في إطار ما وصفه ب “إحجز لنفسك مكانا على ما يأتي”.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك