لعل صدورالحكم في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد هو بداية المحاسبة الفعلية لحركة النهضة و كشف كامل أجزاء مخطط الاغتيال الذي لا يفاجأ أحد بوجود مشاركة أجنبية في تنفيذه و تمويله.
بقلم أحمد الحباسي
لا نقصد بهذا المقال التعليق على مضمون الأحكام الصادرة عن الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس و التي تراوحت بين الإعدام و عدم سماع الدعوى فالأكيد أن هذا الحكم بطبيعته ليس نهائيا وهو قابل للطعن و بالإمكان صدور أحكام تنقضه طالما أن هناك “ميولات” قضائية لا تزال غير مستقرة و غير خاضعة لمنطق التحليل أو الاستنتاج و التكهن.
ما نقصده فعلا هو التعليق على تعليق حركة النهضة التي اعتبرت ربما من باب الدعابة و الكوميديا السوداء أن منطوق الحكم هو دليل براءتها من كل التهم الموجهة إليها سواء من أهل الدم الممثلين في عائلته أو حزب الشهيد شكري بلعيد باغتياله أو من عامة الشعب أو من كثير من الجهات الإعلامية و الحقوقية.
طبعا لا أحد استغرب مثل هذا التصريح لأن الجميع تعوّد بمثله من حركة النهضة في مراحل عديدة سابقة و لا أحد يشك بالمقابل أن حركة النهضة مسؤولة سياسيا عن قتل شكري بلعيد الذي كان عدوها اللدود و ربما كانت أيضا هي من خططت و مولت و أمرت بالتنفيذ وسخرت جهازا قضائيا كاملا للتعتيم و تقطيع أوصال الأبحاث و سرقة المحجوز و تضليل الرأي العام. وهو ما خلنا طويلا أن القضاء سيثبته يوما بالحجة و الدليل.
الإخوان حين يجدون أنفسهم في الزاوية
من ناحية أخرى يمكن القول أن الاغتيال السياسي ليس غريبا على فكر الإخوان المسلمين و تاريخ هذه الحركة الإرهابية التي ولدت من رحم الخيانة و العمالة و توظيف الدين في السياسة و نشأت في مناخ موبوء يتراوح بين تخابرها مع الانكليز و الصهاينة لضرب حكم الرئيس جمال عبد الناصر… هذا الماضي حافل بعمليات اغتيال كبار القيادات المصرية على كل المستويات و الغريب أنه حين تم اكتشفت التحقيقات مدى انخراط الجماعة في ممارسة الإرهاب لم يجد كبيرها و مؤسسها الشيخ حسن البنا إلا نطق تلك العبارة الشهيرة “لا هم إخوان و لا هم مسلمون”.
هكذا هم الإخوان حين يجدون أنفسهم في الزاوية و حين يشعرون بالهزيمة لذلك ليس مستغربا أن يخرج أحدهم اليوم ناعقا بمثل هذا البيان السقيم و محتفلا بانتصار غير موجود إلا في ذهنه المريض الذي يحاول اختلاق براءة و عذرية من العدم.
يقال أن الأحكام عنوان الحقيقة، هذا فى المطلق، لكن و في الحالة الراهنة فإن الأحكام الصادرة هي جزء يسير من الحقيقة لا غير.
هناك قناعة أن صدور الأحكام في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد هو انتصار معنوي أكيد لكل من سعى إلى كشف الحقيقة و تحمل من أجل ذلك كل أنواع الترهيب و التخويف و العنف كما أن صدور الأحكام هو هزيمة محققة لكثير من القضاة و المحامين و الأمنيين و رجال الإعلام و بعض السياسيين الذين شاركوا لمدة سنوات في تضليل العدالة و تشويه الشهيد و عائلته و مساعدة الإرهابيين على الهروب و التخفي و منهم النائبة سامية عبّو التي لم تتورع عن وصف الإرهاب بمجرد فزّاعة أو الناطق باسم وزارة الداخلية خالد طروش الذي لم يخجل اعتبارا لمنصبه من وصف الإرهابيين المتحصنين بالجبال بكونهم يمارسون رياضة المشي من أجل تخفيض نسبة الكولسترول.
بداية المحاسبة الفعلية و كشف كامل أجزاء مخطط الاغتيال
هناك قناعة أيضا أن مسار كشف حيثيات اغتيال الشهيد سواء من حيث الجهة أو الجهات التي خططت و مولت و أمرت بالتنفيذ لا يزال طويلا و يحتاج إلى بذل كثير من الجهد و من التضحيات و من الشهامة لأن هناك جهات تعلم أدق تفاصيل عملية الاغتيال و هذه الجهات من المنطقي أنها ترهب من الإصداع بعديد التفاصيل المرعبة و تحتاج إلى صحوة ضمير.
يعلم الشيخ راشد الغنوشي أنه استعمل طيلة مسيرته في ركب حركة الإخوان و علاقته ببعض أجهزة المخابرات المتآمرة و تنفيذه لبعض المخططات الرامية إلى ضرب الاستقرار في تونس كل أنواع الخداع و التلون و الزئبقية و النفاق وهو لا يزال منذ سقوطه من كرسي مجلس النواب يعيش حالة إنكار و غياب عن الوعي بحقيقة ما حصل لحركته من دمار و فشل و فضائح.
يعلم الرجل القابع في السجن أنه قد لا يعود إلى الحرية إطلاقا و قد ينتهي في السجن و أن صدورالحكم في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد هو بداية المحاسبة الفعلية و كشف كامل أجزاء مخطط الاغتيال الذي لا يفاجأ أحد بوجود مشاركة أجنبية في تنفيذه و تمويله.
لقد زال الحاجز و الغطاء السياسي الذي كانت تمثله أجهزة حركة النهضة و باتت الحركة في انتظار فك عقدة بعض الألسنة لتجد نفسها في مواجهة سيل من المحاكمات التي ستنهى المسيرة الإرهابية لقادتها التي طالت الأبرياء و دمرت العقول و خلقت الانقسام و بثت الفوضى .
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك