لعل أخطر ما يحدث في المجتمعات هو سقوط القضاء في يد الحاكم الذي يوظفه لأغراضه السياسية أي التخلص ببطء و فاعلية من خصومه السياسيين تحت يافطة محاكمة كل من يذنب أو تطبيقا لشعار فضفاض يقول أنه ليس هناك مواطن “فوق رأسه ريشة”. لنتحدث مثلا عن قضية إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر المحامية الأستاذة عبير موسي.
بقلم أحمد الحباسي
انطلقت القضية في الظاهر و المعلن يوم أن حاولت هذه السيدة الاتصال – مباشرة رفقة عدل منفذ – لتقديم مطلب تظلم بما يسمى مكتب الضبط التابع لرئاسة الجمهورية بعد أن رفض المكتب المذكور تقبل المطلب بالوسائل العادية.
إلى هنا الأمر طبيعي لكن ماذا حصل بعد ذلك؟ تم إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر فورا لإحالتها على القضاء بتهم كثيرة من بينها – شدّوا أحزمتكم – تهمة ” تدبير الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة” وهي جريمة يمكن أن تصل عقوبتها للإعدام.
من المؤكد أنكم استغربتم أو فوجئتم بل هناك منكم من لم يصدق أن هذا يحصل في بلد يزعم أنه يقود ثورة حرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
سنحاول بكل جهد عدم التوغل في حيثيات التهمة و أبعادها و سنتجنب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا الانقياد إلى الوساوس و سنكتفي بكشف بعض خلفيات ما حدث و سبر أغوار بعض الأحداث حتى نفهم لماذا تم إيقاف السيدة عبير موسي و لذلك نقول أن عملية الإيقاف ليست بريئة و لم تتم بسبب ما نسب لهذه السيدة من تهم جزافية يقول كل من أطلع على حيثياتها من المحامين أنها غير جدية و غير صحيحة وغير قانونية بالإشارة فقط إلى أن الأستاذة عبير موسي قد تحولت لمكتب الضبط ليس بصفتها رئيسة حزب فحيب بل أسضا كمحامية والمعلوم أن عملية إيقاف المحامي تتم وفق إجراءات محددة بنص قانون المحاماة.
خرق فاضح للإجراءات
كان هذا الخرق الفاضح للإجراءات كافيا و كفيلا لوحده و في وجود أي قضاء نزيه عادل لإبطال التهمة و الإفراج فورا و هنا بدأت خيوط اللعبة تتضح و بدأت الأبواب تغلق بكثير من الخبث و اللامبالاة و التعتيم و تيقن الكثيرون حينئذ أن الأستاذة قد وقعت في المصيدة و أن الفرج لن يكون قريبا و حتى و إن كتب لها أن تخرج يوما ما فسيكون بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية على أقل تقدير.
لماذا وقعت الأستاذة عبير موسي في المصيدة و هل كان هناك تدبير مسبق لإيقافها و هل كان الأمر متوقفا فقط على قرار معين من جهة معينة؟
فى الحقيقة الجواب على هذه الأسئلة ممكن بقليل من التحليل و الفطنة لكن سنترك للمتابع الكريم فك العقدة و استعمال بعض جينات الذكاء لننتقل إلى ما هو أهم و أخطر في عملية و قرار الإيقاف إذ أنه إذا سلمنا بعدم جدية التهمة وعدم توفر أركانها أصلا وهو ما صدر عن المحامين المكلفين بالدفاع عن الموقوفة وعلى رأسهم الأستاذ البشير الفرشيشي أحد كبار رجال القانون في تونس فمن الواضح أنه هناك سعى لإدانة الأستاذة عبير موسي بل إلى إصدار حكم بالسجن من شأنه أن يمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة و في مرحلة لاحقة من مواصلة بقائها على رأس الحزب الدستوري الحر أو أي حزب آخر عملا بالفصل 6 من المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب.
ثاني الأهداف طبعا هو وضع الأستاذ عبير موسي في نفس السلة مع أشخاص معروفين يالخيانة مثل الشيخ راشد الغنوشي و الإيحاء بأن العدالة تتحرك ضد الجميع و لا تستهدف التنكيل و لا التشفي.
لقد تم سنّ تشريعات بمقتضى مراسيم ذات أهداف معينة و مبيتة غايتها زيادة تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية حولت كما يجمع كبار رجال القضاء و القانون من أمثال القاضي السابق أحمد صواب جهاز القضاء إلى مجموعة موظفين لا سلطة قضائية أو قضاة يمكن للرئيس انتشالهم من مواقعهم تماما كما تم مع عديد القضاة الذين تم إعفاؤهم و نالوا أحكاما بإرجاعهم لكن الوزارة لم تتفاعل لتطبق القانون في مخالفة علنية للدستور و القانون.
مناخ متعفن مليء بالشكوك و الخوف و الغضب
هذا مهم لفهم ما حدث للأستاذة عبير موسي التي تمت إحالتها في ظل هذا المناخ المتعفن المليء بالشكوك و الخوف خاصة بعد أن تم ضرب المجلس الأعلى للقضاء و التعامل بجفاء كبير مع إضرابات القضاة المتتالية و نقلة القضاة المغضوب عليهم رغم أنفهم إلى مواقع أخرى كعقاب مبطن و صامت و ما حصل يكشف بما لا يدع مجالا للشك تسلل السياسة إلى قصور العدالة و أن تولى السيد الرئيس صلاحيات رئيس النيابة العمومية بعد 25 جويلية 2021 ليس أمرا معزولا عن سياق عام كان يستهدف الأستاذة عبير موسي في جزء مهما منه.
السؤال الآن : لماذا تحركت النيابة العمومية بسرعة البرق لإيقاف السيدة عبير موسي مع أنها تتباطأ في ملفات أكثر حساسية وخطورة ؟
لماذا لا تتعامل النيابة العمومية بنفس السرعة البرقية مع كل الشكاوى المقدمة من الأستاذة ضد عديد من الجهات؟ هل أن هذه الجهات الحكومية على رأسها ريشة؟
لماذا تتجاهل السيدة وزيرة العدل بصفتها رئيسة النيابة العمومية تظلم الأستاذة عبير موسي من “نوم” شكاويها في رفوف المحكمة؟ أليست السيدة عبير موسي مواطنة و متقاضية لها حق كغيرها من المواطنين؟
ألم يسمع السيد الرئيس مثلا بهذا التظلم و هل أشعر وزيرته بضرورة الإسراع في البت كما يفعل يوميا في عديد الملفات؟
هل يدخل صمت سيادته في نفس خانة صمته حين تم الاعتداء بالعنف والسب والقذف على السيدة عبير موسى وهي نائبة شعب و رئيسة حزب داخل حرم مجلس النواب مع أنه استقبل النائبة سامية عبّو التي تم الاعتداء عليها بنفس المجلس؟
هل فتحت أبواب السجون للأصوات المعارضة ؟
هل أراد السيد الرئيس بصمته على كل ما يحدث لسيدة معارضة من عنف مادي و معنوي إرسال كتاب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ بكونه ليس رئيس كل التونسيين وبالذات إذا كانوا معارضين لسيادته؟
حين أصدر السيد الرئيس المرسوم عدد 11 لسنة 2021 القاضي بحلّ المجلس الأعلى للقضاء تذرع بأن هذا المجلس هو أحد الأطراف التي تريد “تفجير الدولة من الداخل” و لكن السؤال اليوم هل أن سيادته لم ينتبه أن تتالى التشكيات من القضاء و اتهامه بالخضوع إلى ضغوط السلطة و من كونه قد بات ينفذ ما هو مشكوك في قانونيته كما جاء على لسان القاضي السابق أحمد صواب من شأنه أن يفجر الدولة نتيجة تصاعد حالة الغضب غير المسبوقة التي يلاحظها الجميع خاصة منذ 25 جويلية 2021 إلى الآن؟
هل يريد السيد الرئيس أن تتم الانتخابات الرئاسية في جوّ سياسي متعفن وحالة غليان شعبية غير مسبوقة في ظل فشل حكومته في معالجة الوضع الاقتصادي؟
هل سلك السيد الرئيس طريق اللاعودة وعدم الإنصات لصوت العقل والمرونة السياسية مراعاة لما تعيشه البلاد من أوضاع غير طبيعية في أكثر من مجال؟
هل فتحت أبواب السجون للأصوات المعارضة و هل تم اختزال دور النيابة العمومية فى مطاردة المعارضين و المطالبين بحرية التعبير؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك