المؤشرات الإقتصادية “الإيجابية” التي تفاخر بها حكومة أحمد الحشاني، على أساس أنها إنجازات، قد تخفي في الواقع مؤشرات سلبية على الاستثمار و النمو و خلق الثروة، وهو ما يحتاجه الاقتصاد التونسي اليوم، كما يشرح ذلك الخبير الاقتصادي و الناشط السياسي كاتب التدوينة التالية.
بقلم هشام العجبوني
عادة حميدة أن تقوم رئاسة الحكومة بنشر بعض المؤشرات الاقتصادية “الإيجابية”، في إطار الدّعاية لإنجازاتها الافتراضية، و لكن من المهم التنسيب و تقديم بعض الملاحظات :
1. تراجع عجز الميزان التجاري في الثلاثي الأول لسنة 2024 مقارنة بالثلاثي الأول لسنة 2023، شيء إيجابي في المطلق، و لكن يجب أن نعرف أن هذا العجز هيكلي و أنه علينا تحليل تركيبته، و هل أن التحسّن مردّه عمليات تصدير استثنائية [مثلا نتيجة الارتفاع القياسي في أسعار زيت الزيتون في الأسواق العالمية] أو الانخفاض في استيراد المواد الخام و نصف المصنّعة و التجهيزات [وهذا مؤشر سلبي جدا يضرب الاستثمار و النموّ]؟
و يبقى العجز الطاقي مرتفع جدا و نسق التحول إلى الطاقات البديلة بطيء جدا و يتقدّم بخطى السلحفاة.
2. انتعاش الميزان التجاري الغذائي هو نتيجة لتصدير زيت الزيتون و التمور أساسا في هذه الفترة و التراجع في توريد الحبوب و الزيت الغذائي [حتى في 2023 انخفض هذا العجز لنفس الأسباب حسب أرقام الميزان الاقتصادي، عِلما أن أسعار الحبوب على السوق العالمية تراجعت بنسبة هامة].
3. احتياطي العملة الصعبة الذي بلغ 106 يوما بتاريخ 29 مارس 2024 و تحسنه مقارنة بالسنة الفارطة هو ظرفي و تتحكّم فيه عديد العوامل [التصدير، التوريد، الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تسديد القروض، تحويلات التونسيين بالخارج، الاقتراض بالعملة الأجنبية، مداخيل السياحة…].
4. سعر صرف الدينار منذ بداية سنة 2024 قد يكون حافظ على استقراره، و لكنه انخفض مقارنة بمعدل سعر الصرف في 2023 [انخفاض قيمة الدينار يؤثر على المبالغ المخصصة للدعم و على حجم المديونيّة].
5. بالنسبة للاستثمارات المصرّح بها خلال الشهرين الأوّلين، و ارتفاعها مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023، يجب مقارنتها بسنوات ما قبل الكوفيد و ليس بسنة انخفضت فيها الاستثمارات و حققت فيها البلاد نسبة نمو ب 0,4% فقط، وهي أضعف نسبة في ال30 سنة الأخيرة [باستثناء سنة الثورة و سنة الكوفيد].
6. بالنسبة لإحداث مواطن الشغل تبقى إعلان نوايا في انتظار تحقيقها و لا يمكن تحليلها بمعزل عن ارتفاع نسبة البطالة إلى 16,4% في 2023 و فقدان أكثر من 80 ألف موطن شغل في السنة الفارطة، فضلا عن إفلاس آلاف المؤسسات الاقتصادية.
7. تراجع نسبة التضخم إلى 7,5% لا يشعر به التونسي لأن تضخم أهم عناصر سلّة العائلة التونسية تفوق نسبة رقمين. L’inflation ressentie est plus forte [المواد الغذائية 10,2% / اللباس و الأحذية 10% / خدمات الصحة 9,1% / خدمات التعليم 9,5% / مطاعم و نزل 10,4%].
و إذا دخلنا في تفاصيل تضخم المواد الغذائية نصل لأكثر من 20٪ مثلا في لحم الخروف و الزيوت الغذائية و القهوة و أكثر من 15٪ للخضر الطازجة و التوابل…
في كل الأحوال، الواضح أن الاقتصاد التونسي عاجز منذ مدة طويلة على خلق الثروة و مواطن الشغل، و يعرف أزمة هيكلية لا يمكن التعاطي معها بإجراءات ترقيعية أو ظرفيّة، و لن يتغيّر الوضع في غياب رؤية اقتصادية واضحة و في ظل التردد في القيام بإصلاحات جذرية في كل المجالات، فضلا عن الأزمة السياسية العميقة و غياب الثقة و وضوح الرؤية لدى الفاعلين الإقتصاديين و الإجتماعيين.
عضو سابق بمجلس النواب عن حزب التيار الديمقراطي.
شارك رأيك