“الى عموم التونسيات والتونسيين،
ونحن نعيش آخر أيام شهر رمضان المعظّم، يسعدنا أن نتقدّم لكافة التّونسيات والتونسيين بأحرّ التهاني بمناسبة عيد الفطر أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركة.
في هذه الليالي المباركة، ندعو الله أن يفرّج على إخواننا في فلسطين وأن يخفّف على غزّة الجريحة مما تعانيه من مأساة إنسانية.
هو رمضان الثاني الذي مرّ علينا في سجننا، تحت عنوان قضيّة فارغة بلا أركان، يدرك كلّ صاحب عقل وضمير أنّها لا تستقيم ولا تستند إلى منطق…
410 ليلة مرّت علينا في زنزاتنا، ونحن معتقلان على ذمّة تحقيق لم يبدأ حتى ينتهي. أربعة عشر شهراً مضت ونحن نعيش مع عائلاتنا و رفاقنا ألوان التنكيل والاذلال من نظام عجز عن مقارعتنا بالحجّة فاختار الاستقواء بأجهزته وتلفيق الاتهامات لتكميم أفواهنا، وحتى لا يبقى من صوت يصدح غير صوته وما يردده من هراء وادّعاءات.
أن تتجنٌى السلطة على خصومها وتحاول اسكاتهم باستعمال قضاء جعلت منه وظيفة تحت الطلب، فهذا ليس بالأمر الجديد.. لقد سبق وأن حاول التّشهير بنا والادّعاء علينا باطلاً عبر أكثر من قضية ففشلت مساعيه، قبل أن تُختلق لنا تهمة التآمر من عدم، فيزجّ بنا مع خيرة المناضلين في السجن.
تشهد لنا سيرتنا أننا -ورفاقنا- لم نكن يوماً من المتعطّشين للسّلطة. انخراطنا في الشّأن السياسي، وكل ما بذلناه من جهد ووقت، كان عطاءً صافياً في سبيل وطننا، دفاعاً صادقاً عن الحقوق الاجتماعية والحريات الفردية والعامة، وايماناً منا بأن واجبنا يحتّم علينا الاجتهاد في صنع مستقبل أفضل لبلادنا، ولكل التونسيين الى بلد يسودها العدل.
أن نجد أنفسنا اليوم نعيش هاته المحنة، فلتكن ضريبة الدفاع عن تونس وضريبة الثبات على الحقّ الى حين اغلاق قوس الشعبوية والاستبداد الحالي.
بيد أننا نعاين بأسف تعدّد ضحايا هذا النظام الموغل في تزييف عقول التونسيين وترهيبهم، وأن محاكمات الرّأي والإقصاء الذي يتعرّض له كل صوت حرّ أصبحت شبه يومية، مرّت من السياسيين إلى الصّحافيين والنقابيين والمحامين فالمثقّفين ونخب البلاد، مقابل صمت مخجل لضمائر البلاد الخائفة، أو المتواطئة، حتى صار صوت الغوغاء والمتسلّقين وسقط المتاع هو الأعلى.
من داخل سجننا نواصل نضالنا وتشبثنا بالعدالة أمام كمّ الخروقات والتجاوزات القانونية في ملفنا سواء كان في الاصل او في الاجراءات، نشدٌد حرصنا ان محكمة التعقيب أصبحت متعهّدة بملف القضيّة ولن نقبل او نسمح أو نعترف بغير ارجاع الملف فورا الى محكمة الاستئناف من قبل قاضي التحقيق المتعهد به ونحمّل المسؤوليّة للوكيل العام بتونس للقيام بواجبه.
“العدل أساس العمران، والظلم مؤذن بخراب العمران”
لطالما وضعنا هذه الحكمة نصب أعيننا ونحن المحاميان الّلذان قضّيا عمريهما بين أروقة المحاكم، منتصرين للحقّ، مدافعين عن المظلومين والمستضعفين، مؤمنين بعلويّة القانون وبأنّ العدالة أسمى القيم الإنسانية.
ولكننا اليوم نستغرب التخاذل الذي أصبح عنوانا لتعاطي المجتمع المدنيّ مع العبث الذي تدار به البلاد، ومع انتهاك الحقوق والتدمير الممنهج لكلّ أسس الدولة ومكتسباتها، لا سيما المنظّمات الوطنيّة، وخاصة عمادة المحامين، التي كان يفترض بها أن تكون في أول صفوف المدافعين عن منظوريها واستقلال القضاء وقيم العدالة.
و بالرغم من كل ما تعرضت له مهنة المحاماة من مضايقات وانتهاكات، فإننا نشدّ على أيادي كل شرفاء المهنة واحرارها لينتفضوا دفاعاً عن القضاء التونسي وعن علوية القانون، فاذا سقط هيكل القضاء، سقطت معه كل آمال انقاذ الوطن.
اننا، من وراء قضبان سجننا، ننبّه تجاه ما سبق وحذّرنا منه من قبل اعتقالنا، من أن خطاب التفرقة الذي ينتهجه النظام، بالإضافة الى الفشل الذريع في إدارة شؤون البلاد ومحاولة التعتيم على ذلك بالايهام بمؤامرات وبحملات تطهير واهمة و حروب تحرير، صنعت تراكمات من الحقد وبلغ معها التّشنّج مستويات غير مسبوقة نخشى منزلقاته الخطيرة وما قد تحمله من تهديد لوحدة التونسيين وسلمهم الأهلي.
لنا تمام القناعة ان ما نعيشه اليوم ليس إلا تجربة ستطوى، وستأخذ معها كل ما أتت به من أدران، لتقف بلادنا على قدميها من جديد وتعود وطناً يضمن حقوق كلّ أبنائه.
كل عام وأنتم بخير، كل عام وتونس بخير..
سينكسر القيد و ستنجلي الظلمة…”
- من معتقل المرناقية،
المعتقلان السياسيان،
غازي الشواشي و رضا بلحاج.
شارك رأيك