كتب القاضي الفاضل مختار اليحياوي رسالته الشهيرة حول الوضع البائس للقضاء التونسي في 2001. ثم لاحقا أقدمت السيدة الفاضلة نزيهة رجيبة على نشر نص استقالتها الشهيرة من التعليم في سنة 2003 والتي حذرت فيها من خطورة الوضع الذي آلت إليه المدرسة التونسية.
بعد قرابة ربع قرن عن صدور هذه الوثائق التاريخية ،ماذا تغير في واقع القضاء والتعليم؟
لا شيء تقريبا من الناحية الإيجابية بل للأسف بات وضع القضاء مخيفا في ظل تواصل مظاهر التأثير السياسي واختراق لوبيا الفساد لأروقة المحاكم وغياب أبسط قواعد المحاكمة العادلة وإقامة العدل والانصاف قبل وأثناء وربما حتى بعد حكم الرئيس قيس سعيد.
لن أتحدث كثيرا عن وضع التعليم العمومي في تونس لأن جميع الأولياء يعرفون حجم الخراب الممنهج والمقصود الذي طال مدرسة الجمهورية التي تمثل عماد الدولة الوطنية المستقلة.
أكثر من 10 سنوات مرت على الثورة ولم تفلح أي جهة سياسية في جعل إصلاح القضاء والتعليم أولوية وطنية.
ما كتبه مختار اليحياوي رحمه الله وما نشرته نزيهة رجيبة رزقها الله بمزيد الصحة والعافية كان يمكن أن يكون بمثابة صفارة إنذار تزلزل الوعي الجمعي.
كان من الممكن أن يكون للأحزاب والاعلام والمجتمع المدني بعد الثورة دورا أكثر فاعلية في تسليط الضوء على هذه القضايا الحيوية والاستراتيجية بشكل يعلي من الصالح العام خارج دائرة الحسابات السياسية الضيقة . ولكن هذا لم يحصل لأسباب عديدة أظن أنها معلومة ولا فائدة في الإسهاب في الحديث عنها.
من يصور قيس سعيد على أنه مصدر كل شرور البلاد فهو واهم إن لم يكن مخادعا. قيس سعيد ومنظومة حكمه الرثة هي نتاج لنخب حكمت البلاد لم تكن في مستوى الأمانة.
نفس هذه النخب مازلت إلى اليوم لم تصدر أي نقد ذاتي ولم تقدم أي برنامج مستقبلي من شأنه طمأنة الخصوم والمختلفين.
هاجس هذه النخب اليوم ليس إنقاذ البلاد بل إنقاذ قيادتها السياسية من السجن وشتان بين من يفكر بمنطق الدولة ومستقبل الأجيال القادمة وبين من يفكر بعقلية الذات والأنا التي تزعم دائما أنها على حق بذهنية المظلومية المخاتلة دون أن تقول الحقيقة كاملة وهي أنها شريكة في جرائم سياسية شتى أرتكبت في هذا الوطن.
شتان بين يفكر في الاجيال القادمة وبين من يفكر في الانتخابات القادمة.
من حكم مع يوسف الشاهد وسفيان طوبال وحافظ قائد السبسي لا يمكن أن يقدم دروسا للآخرين قبل أن يقوم بنقد تاريخه القريب.
مؤلم جدا أن يتعمق المأزق اليوم أكثر بوجود نخب لا تختلف عن قيس سعيد سوى في أنها أكثر أنانية وغشاوة.
لاحظوا أن جميعهم يخشون المحكمة الدستورية.
بناء تونس الديمقراطية الاجتماعية التي تقوم على علوية القانون لا يمكن أن تكون بمثل هذه النخب وثقافتها السياسية البائسة.
بناء القضاء المستقل لا يمكن أن يكون بقاض يضع معارضا في السجن تلبية لشهوة السلطة و أملا في أن لا يعزل لكي يحافظ على أجره الشهري الذي يدرس من خلالها أولاده في التعليم الخاص، في حين يتسبب ظلما في تشتيت وتشريد وتفقير عائلات بأكملها وحرمان أبناء سياسيين معارضين من آبائهم.
لا يمكن تحرير القضاء وإعادة بناء مدرسة الجمهورية بنفس فكر وممارسات قيس سعيد ولا بفكر وممارسات من حكموا قبله فهما في جوهر الجوهر وجهان لعملة واحدة ما اختلاف ظاهري في السرديات والشعارات.
إن الصراع بينهما هو صراع حول السلطة لا غير فلا اختلاف بينهما في المضامين والممارسات ذات العلاقة بما يفيد الناس والاجيال القادمة (تعليم، صحة، صناديق اجتماعية، جباية ،نقل، فلاحة، استقلالية القضاء، بناء مؤسسات ديمقراطية ،إصلاح الإعلام الخ).
شارك رأيك