الهدف الأول والأساس لإلغاء الاحتفالات التي تنظم عادة على هامش طقوس الحج اليهودي لمعبد الغريبة هو احترام مشاعر أكثر من 160 ألف مواطن يقطنون جزيرة جربة ويدافعون عن إخوانهم في غزة وعن المسجد الأقصى، فمهما حدث فلن ينسى الجربيون أنهم جزء من العالم الإسلامي ويجب عليهم نصرة إخوانهم.
فوزي بن يونس بن حديد
تتحوّل جزيرة جربة في مثل هذا الوقت من كل عام إلى شبه ثكنة عسكرية لتأمين اليهود القادمين من إسرائيل ومن كافة أصقاع العالم ومن داخل الجزيرة نفسها لإقامة طقوس عيد الفصح في معبد الغريبة اليهودي الكائن بمنطقة الرياض التي لا تهدأ ليلا ولا نهارا في تلك الفترة، فسُكان الجزيرة وغيرهم من الزائرين يعانون في هذا الوقت من كل عام من صعوبة التنقل فيها ومنها وإليها ويواجهون معاناة كبيرة وبالغة في الذهاب إلى أعمالهم صباحًا ومساءً لكثرة الحواجز الأمنية، أما الذين يأتون من خارجها فيقفون طوابير على مداخلها ومخارجها ويُسألون من أين أتوا وإلى أين سيذهبون، فضلا عن مراقبة كل صغيرة وكبيرة.
كل ذلك يحدث في جزيرة جربة غي الجنوب الشرقي لتونس من أجل تأمين حج “الغريبة” المكان المقدّس عند اليهود الذي يمارسون فيه طقوسهم في عيد الفصح.
أبشع الجرائم الإنسانية ضد سكن غزة
ولكن تناهى إلى أسماعنا هذه السنة أنه تم إلغاء الاحتفالات التي تنظم عادة على هامش هذه الطقوس وإلغاء استقبال الوفود الكبيرة التي كانت تولّي شطر وجهها نحو جربة وتحديدا نحو مدينة الرياض لإقامة هذا العيد، وقد جاء الإلغاء حسب ما قيل بناء على طلب بعض الجربيين الدولة التونسية بذلك حفاظا على مشاعر التونسيين وتضامنًا مع شعب غزة الذي عانى وما زال يعاني الويلات من الجيش الصهيوني قصفًا وتدميرًا وقتلًا وتعذيبًا وتنكيلًا، في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث التي ارتكبتها الآلة الصهيونية وجيش الاحتلال الصهيوني على أرض غزة الأبية.
ولأننا شعبٌ عربي مسلم لا نرضى بأن يفرح اليهود الإسرائيليين على أرضنا الغالية وهم يقتّلون شعبنا في فلسطين، و على الصهاينة أن يفهموا أن للأمور حدودا، وأن الشعوب الإسلامية والعربية تغلي وتفور كفوران القِدر على نار هادئة، حتى إذا غلي فار وثار لما قامت به دولة الاحتلال من اعتداءات بشعة ينده لها الجبين وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية التي شاركتها الجريمة في كل صورها، وما زالت إلى اليوم تواصل عربدتها وتستخفّ بالعقول العربية والإسلامية بكافة مستوياتها الرسمية والشعبية، وتنقل أسلحتها بكل وقاحة وبلادة للجيش الصهيوني في أحدث صور كسر الهيبة الأمريكية وقيادتها العالمية، فهي التي كانت تعلّم الناس الديمقراطية وحقوق الإنسان، واليوم تتمرّد هي وحليفتها إسرائيل على كل القوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية، وعليها أن تتعلم مرة أخرى معنى احترام الإنسان قبل أن تُعاقب الدول التي تخترق حقوق الإنسان.
جزيرة جربة تتنفس الصعداء هذه السنة
لقد تنفست جزيرة جربة هذه السنة الصعداء، عندما صدر قرار الإلغاء، لدرء أي حوادث أمنية في هذه الظروف الحساسة، واقتصر الأمر على طقوس بسيطة داخل المعبد، بعد أن تعرّضت “الغريبة” لاعتداء الصائفة الماضية وتسبب في نشر الرعب والخوف والهلع بين اليهود، ورغم أن جزيرة جربة كانت ولا تزال أرضًا للتسامح والتعايش بين جميع الشرائع والشرائح حيث هناك المسجد والكنيسة والمعبد، إلا أن الجربيين عموما لا يتمتعون بالمواصفات نفسها ولا يستمتعون عندما يحلّ عيد الفصح
اليهودي، إذ يتم غلق جميع المنافذ البحرية وحتى البرية ومراقبتها مراقبة شديدة، وتضيّق السلطات المحلية على الساكنين قرب المعبد لاعتبارات أمنية مفهومة وتوجههم بعدم تجاوز الحواجز الأمنية فيجد الأهالي صعوبة كبيرة في التنقل، بل ويُمنعون من أداء بعض الصلوات في المساجد القريبة خوفا من أي تحرك.
ورغم أن المعبد اليهودي في جزيرة جربة حامت حوله حكايات وشبهات، فما زال يشكل مكانا يستقطب يهود العالم الذين يحجون إليه من كل صوب وحدب، وما زال الجربيون يعتقدون بأن عليهم احترام الشريعة اليهودية باعتبارها جزءا من احترام الإنسان نفسه، لكن اليهود الصهاينة بطبعهم ميّالون إلى الاعتداء والغطرسة والبلطجة والعبث بأهلنا في غزة من النساء والأطفال والولدان ويتجاهلون كل الأعراف والقرارات الدولية والعالمية ويمارسون شريعة الغاب في تعاملهم مع الإنسان ولا يحاسَبون على جرائمهم التي فاقت جرائم العالم كله.
فرحنا بشدة بهذا القرار هذه السنة لأنه يمنح المواطن التونسي في جزيرة جربة مساحة كبيرة من الحرية في التنقل وإقامة تعاليم الشريعة الإسلامية، ويشارك في إرساء الأمن والأمان، وفي الحقيقة كان الهدف الأول والأساس للإلغاء احترامًا لمشاعر أكثر من 160 ألف مواطن يقطنون الجزيرة ويدافعون عن إخوانهم في غزة وعن المسجد الأقصى، فمهما حدث فلن ينسى الجربيون أنهم جزء من العالم الإسلامي ويجب عليهم نصرة إخوانهم.
شارك رأيك