طُرح فيلم السيرة الذاتية للمغنية البريطانية الراحلة إيمي واينهاوس Back to black” للمخرجة سام تايلور جونسون في قاعات السينما منذ يوم 24 من الشهر الفارط وسط إقبال جماهري كبير من الجمهور المتعشط لكشف تفاصيل حياة المغنية الاسطورة.
مريم مرايحي
التحدي الكبير بالنسبة للمخرجة يكمن في اختيار تصوير فيلم سيرة ذاتية. حيث تعد أفلام السيرة الذاتية من أصعب الأفلام على الإطلاق فهي أكثر عرضة للنقد ليس فقط من الجمهور والنقاد بل من العائلة وكل من تربطه صلة قريبة او بعيدة بالشخصية الرئيسية.
وهو نوع من الأفلام الذي يصور حياة شخص أو أشخاص حقيقيين أو قائم على أساس تاريخي. حيث تُظهر مثل هذه الأفلام حياة شخص معروف تاريخيًا ويُستخدم الإسم الحقيقي للشخصية وهي تختلف عن الأفلام الوثائقية وأفلام الدراما التاريخية أنها تتمحور حول شخص واحد وتحاول سرد قصته بشكل شامل أو سرد سنوات حياته البارزة من وجهة نظر تاريخية على الأقل.
ويعد هذا العمل ثاني تعاون في نوع السيرة الذاتية بين المخرجة تايلر جونسون والكاتب مات غرينهالغ (فقد تعاونا في فيلم “ولد العدم” Nowhere Boy عن حياة المغني جون لينون).
عنوان ذو دلالة خاصة و كاستينغ مدروس
يحمل الفيلم عنوان”Back to black” في إشارة إلى عنوان آخر ألبومات إيمي واينهاوس. ويعد “Back to black”ألبوما أسطوريا لما حصده من جوائز عالمية وتحقيقه لنسبة مبيعات خيالية، ويعتبر حصيلة تجربة عاطفية ونفسية مريرة عاشتها المطربة.
لأداء دور الشخصية الرئيسية، اختارت المخرجة الممثلة ماريسا أبيلا فكان الأداء مذهلا وتقمص الشخصية متقنا حيث قامت ماريسا بتمثيل إيمي و تقمض شخصيتها وليس فقط تقليدها.
فإضافة إلى التشابه بين الممثلة والشخصية في الشكل وتسريحة الشعر والاكسسوارات فقد قامت ماريسا أبيلا بالغناء في الفيلم وهو تحد كبير من الممثلة التي لم تكن تعرف الكثير عن الغناء قبل الفيلم.
كما يجدر الإشادة بأداء كل من الممثل جان أوكونيل الذي لعب دور بليك الزوج السابق لإيمي واينهاوس وايدي مرسان الذي اختير لتقمص دور أب المغنية فنجحا نجاحا كبيرا في تقمص الشخصيات وخلقا انسجاما كبيرا مع الممثلة الرئيسية ماريسا أبيلا فظهرت الكيمياء بين الشخصيات للمشاهد.
الكشف عن ملامح “المغنية العاشقة”
من الصعب على المخرجة سرد تفاصيل حياة المغنية إيمي واينهاوس بجل أحداثها ورسم ملامح شخصيتها بتقلاباتها وتفاعلاتها، فتوجب عليها التطرق الي شخصيتها من زاوية بعينها.
فكشفت عن شخصية إيمي الإنسانة البسيطة رغم شهرتها وجمالها وثرائها، التي طالما بحثت عن الحب والتعاطف طيلة حياتها، فبيٌنت المخرجة توقها إلى الرغبة في الزواج وتكوين أسرة منذ صغرها وتعلقها بجدتها التي ورثت عنها حبها للحيوانات خاصة الطيور.
وإيمي الطفلة المحبة والمطيعة لوالدها، ميتش واينهاوس، الذي يجسده إيدي مارسان، فيمكن اعتباره الأب المتفائل، الذي يرفض في البداية إرسال ابنته إلى العلاج بسبب يقينه انها يمكن أن تتعافى بمفردها ثم قبوله الأمر عندما أبدت هي رغبتها في ذلك.
اما الجانب الأهم الذي تطرقت إليه المخرجة هو علاقة المطربة السامة بحبيبها فصوٌرتها بكثير من الدموية والقتامة لما تحمله من تشعٌب وتعقيد وقليل من لحظات الحب والتألق خاصة عندما عرفها بليك على فرقة غنائية نسائية أميركية تدعى “ذا شانغريلاز” Shangri-Las، مما ساهم في تغيير مسار حياتها المهنية آنذاك إلى الأفضل.
صوٌرت المخرجة إيمي العاشقة ثم إيمي المنكسرة التي رغم ضعفها تصدر أفضل ألبوماتها على الإطلاق و إيمي الزوجة الحزينة التائهة ثم إيمي المحطمة التي تصاب بالشره المرضي ثم تلجأ إلى الإدمان وتكون هذه المرحلة آخر محطاتها في الحياة تاركة خلفها إرثا فنيا عظيما.
التركيز على الجانب المأساوي في الشخصية
كغيره من الأعمال الفنية لا يخلو فيلم “Back to black” من بعض النواقص وأبرزها عدم تقديم إضافة كبيرة عن شخصية إيمي واينهاوس فأغلب حكايات الفيلم معروفة لدى الجمهور، فقد تطرقت الميديا إلى أغلبها وصورت جلها تقريبا فقد توجب على القائمين على العمل البحث في خفايا حياة المغنية لتقديم الإضافة للجمهور.
فكان يجدر أن يتم التركيز أكثر على الحياة المهنية لإيمي والتحدث عن شركائها الموسيقيين ودورها في صنع موسيقاها فنجدها في الفيلم تتحاور مع فرقتها لكنها لا تساهم في صنع الإغاني الأمر الذي تم ذكره في كافة التقارير ولم يظهر بوضوح في الفيلم.
من نقاط ضعف الفيلم أيضا، الإطناب في السوداوية والقتامة فكان من الممكن التطرق بشكل أعمق الى محطات سعيدة في حياة إيمي واينهاوس.
كما يمكن أن نشير إلى أن الفيلم يقرب الى المثالية ويكمن ذلك في عدم وجود ألفاظ خارجة تقريبا في الحوار بين الشخصيات عدا المشاهد التي تقوم فيها إيمي بالشتم مما يجعله يفقد جزء مهما من واقعيته.
رغم وجود العديد من النواقص، يعد فيلم “Back to black” من أهم أفلام السيرة الذاتية في الفترة الأخيرة نظرا للمجهود المبذول في الفيلم من كافة صناع العمل.
شارك رأيك