تتعالى مذ مدة أصوات متساكني جبنيانة والعامرة بصفاقس مستنكرة كل حالة الفوضى المنجرة عن التجاء عددا كبيرا من أفارقة جنوب الصحراء إلى تلك المنطقة للإقامة هناك في الخلاء أو في غابات الزيتون، في وضعية لا تليق بالبشر. وبناء على ذلك يطالب المجتمع المدني الدولة بحل عاجل للخروج من هذه الوضعية غير الإنسانية للمهاجرين وغير الآمنة للمتساكنين حتى يتم إحلال السكون بتلك الربوع.
فتحي الهمامي
لقد اصبحت قضية مهاجري جنوب الصحراء غير النظاميين على كل الألسن بالجهة الكل يدلي بدلوه بعد ان كانت خارج اهتمام الرأي العام وبعد ان كان هؤلاء المهاجرين غير مَرئِيّين… وهذا واقع عاينه كل من تابع الملف منذ بداية توافدهم على تونس. وقد لعب الخطاب الرسمي وسرديته المتعلقة بوجود مؤامرة تهدد تونس من جراء الهجرة غير النظامية دورا في الاعتناء بهذه القضية… بل تلقفها البعض دون ترو ودون تقديم معطيات واقعية عنها فراح يتحدث عن غزو تتعرض له البلاد ويقدم هؤلاء المهاجرين على أنهم أعداء الأمة..
ومن جراء ذلك صارت البلاد خائفة من الآخر المختلف عن أبنائها في اللون، خائفة حتى من لاعب “كونج فو” تتهمه ببث الرعب لأنه مارس رياضته في غابة زيتون، ومن ناشطة كامرونية على وسائل التواصل الاجتماعي تتهمها بالجوسسة.
وقد ترافق هذا الانشغال بموضوع المهاجرين مع تصاعد خطاب الكراهية بصفاقس ضد مهاجري جنوب الصحراء، فقد أصبح هذا الشعور واقعا ملموسا لا يمكن تجاهله حتى أنه تسرب إلى أوساط قريبة من المجتمع المدني من المفروض أنها لا تنزلق إلى مواقف مناهضة لحقوق الإنسان الكونية، وأن تكون مدركة للواجبات المحمولة على الدولة التونسية تجاه هؤلاء بمقتضى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وواعية بأن أغلبيتهم ضحايا انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والنظام الاقتصادي العالمي المجحف.
الدولة لم تنتبه إلى معجم خطابها الذي كاد يلامس الكراهية
فالكراهية لا تعرض هؤلاء المستهدفين للتمييز وسوء المعاملة والعنف فحسب، بل كذلك للإقصاء الاجتماعي والاقتصادي. وعندما تُترك أشكال التعبير عن الكراهية دون رادع، يمكن أن تضر بالمجتمعات والسلام والتنمية، لأنها تمهد الطريق للصراع والتوتر وانتهاكات حقوق الإنسان. وبناء عليه، فإنه على الدولة أولا وهي التي لم تنتبه سابقا إلى معجم خطابها الذي كاد يلامس الكراهية، ثم المجتمع المدني والإعلام التصدي بقوة له، وإشاعة خطاب السلام والتسامح والأخوة.
لقد تفاقمت هذه الكراهية وصار الناس يطرحون حلولا لا تتسم بالعقلانية وخارج المنطق بناء على استبعاد وجهة نظر المجتمع المدني من وسائل الإعلام، وقد اضطر بعض الأعضاء منه إلى عدم الإعلان عن خطواتهم الإغاثية لفائدة المهاجرين. وهذا ما اسرت به لي عضوة الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حميدة الشايب المكلفة بمتابعة هذا الملف.
إن معالجة الآثار السلبية للهجرة غير النظامية لافارقة جنوب الصحراء، والتي لا يجب أن تخفي عنا آثارها الإيجابية من حيث العمالة في قطاعات معينة، لا يتم بمطاردة هؤلاء من مكان إلى الآخر وكانها مطاردة للسحرة بل في إيوائهم وحفظ كرامتهم في انتظار إيجاد حل لوضعايتهم.
لا حل سوى أن نخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ !
لقد كان الوضع الاجتماعي أفضل في الأول بالجهة [رغم بعض الحوادث هنا وهناك وذلك شيء عادي لكل تجمع بشري إذ تمت معالجتها بالقانون ] لأنه تم استيعاب أعدادا لا بأس بها من هؤلاء في الأشغال اليومية في المقاهي والمطاعم وغيرها… ولكن حينما رأت الدولة انه من الضروري وضع حد لوجودهم بالبلاد التونسية فقد امتلأت بهم تونس وصاروا يهددون وجودها بسعيهم إلى التوطن فيها… هكذا قال الخطاب الرسمي… وبما أن الصديقة “ميلوني” لا تريدهم على أراضيها… انفلت الوضع وسادت مظاهر للفوضى من بينها تكاثر ظاهرة التسول في صفوفهم وحالات تجمهر في الفضاء العام، ووقوع بعض الاعتداءات على مرافق وعلى ملك خاص… ما الحل إذن بما انه لا يمكن”رميهم” من جديد في الصحراء كما فعلنا في الأول، فالإعلام الدولي والمنظمات الحقوقية تترصد خطواتنا ؟ لا حل سوى أن نخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ !
ناشط حقوقي.
شارك رأيك