اختارت “أصوات نساء” و”جمعية المرأة والمواطنة بالكاف” الذكرى الثالثة لمقتل رفقة الشارني من طرف زوجها لتقديم تقريرهما السنوي حول تقتيل النساء، وفاء لذكراها وتسليطا للضوء على الموجة المتتالية من الجرائم التي تبعتها لتصبح ظاهرة استفحلت داخل المجتمع التونسي وأضحت تحديا يتطلب تعاضدا للجهود واستجابة شاملة وفعالة من الجهات المعنية ومعاضدة من المجتمع المدني من أجل التصدي لها والعمل على منع حدوثها.
ويبرز التقرير أهمية جهود المنظمات النسوية مثل أصوات نساء جمعية المرأة والمواطنة بالكاف في رصد وتوثيق هذه الجرائم ونشر الوعي حولها، ودعم عائلات النساء القتيلات والنساء ضحايا العنف وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن المبينة كما يبين أن قتل النساء في تونس ليس مشكلة محلية محصورة في منطقة دون أخرى، بل هي تشكّل تحديا اجتماعيا ووطنيا إذ تشير الجرائم التي قمنا بتوثيقها عبر الإحصائيات المنشورة أنه خلال عام 2023، شهدنا موجة مفزعة من جرائم قتل النساء بلغت 25 جريمة.
ووفقًا للتوثيق الذي قام به فريقا عمل جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف في تعداد الضحايا أن “13 منهنّ قد قتلن على يد أزواجهن، 3 نساء قتلن من طرف آبائهن، 4 نساء قتلن من قبل أقاربهن و5 قتلن من طرف مجهول. وقد قتلت 7 نساء بنفس الطريقة، أي بالطعن بآلات حادة، في حين قتلت 3 ذبحا و6 خنقا و4 قتلن نتيجة للضرب على الرأس”.
عدد جرائم قتل النّساء تضاعف أربع مرّات من 2018 إلى حدود جوان 2023
ويحتوي التقرير على أربع محاور رئيسية أولاها تحليل لظاهرة تقتيل النساء ببعديها الاجتماعي والجندري ثم الإطار القانوني لجريمة تقتيل النساء في القانونين التونسي والدولي، فالجزء الخاص بالإحصائيات تحت عنوان “إحصائيات مرعبة وغياب سياسات عمومية ناجعة” ويستمد هذا الجزء مضامينه أساسا من المعطيات المقدمة من وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن فقد قامت الوزارة بنشر بعض الاحصائيات على موقعها الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر أن 69 جريمة قتل ارتكبت في 19 ولاية خلال الفترة الممتدّة من 1 جانفي 2018 إلى 30 جوان 2023 كما تبيّن الإحصائيات المنشورة أنّ عدد جرائم قتل النّساء تضاعف أربع مرّات من 2018 إلى حدود جوان 2023 ليبلغ 23 جريمة قتل إلى حدود السّداسي الأوّل من سنة 2023 مقابل 6 جرائم قتل للنّساء سنة 2018.
وفي مقابل هذه الأرقام المفزعة، فقد اكتفت وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بنشر بعض الإحصائيات والنشريات عبر موقعها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم نلاحظ أي إشارة إلى تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية بخصوص جرائم تقتيل النساء. وهذا يؤشر على غياب السياسات الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة كما أن عدم التوجّه للتحسيس والتوعية بمخاطر ظاهرة تقتيل النساء يعبّر عن تجاهل لخطورة المشكلة، من جهة ومن جهة أخرى، هو عدم اعتراف ضمني بخصوصية الجريمة بما يتيح تغيير القوانين وتضمين جريمة تقتيل النساء كجريمة قائمة على النوع الاجتماعي.
وخلص التقرير إلى جملة من التوصيات من بينها:
عدم الاستهانة بالعنف ومكافحة تبريره أو التسامح معه : وتعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والتحسيس بعدم التهاون مع أي حالة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، والسعي لتوفير خدمة ناجعة وفورية في مجال التعهّد والحماية لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي والوقاية من حدوث جرائم قتل.
توفير خدمات الإرشاد والتعهد : تحسين وتطوير الخدمات القانونية والاجتماعية والنفسية والصحية المقدّمة للنساء والفتيات المعرضّات للعنف، بالإضافة إلى توفير برامج تأهيلية وعلاجية شاملة لهن.
توفير الدعم وتيسير الحصول على الإعانة العدلية : توفير الدعم والحماية الضروريين والعمل على صدور القوانين الترتيبية الخاصة بالإعانة العدلية.
إطلاق حملات التوعية : تنظيم حملات توعية واسعة النطاق للتعريف بجريمة قتل النساء وخصوصيتها، وتسليط الضوء على آثار العنف على الفرد والمجتمع وخاصة، مآله عند التسامح معه أو التقليل من خطورته.
التعليم : تطوير المضامين التعليمية والطرق البيداغوجية ونشر ثقافة اللّاعنف والمساواة بين الجنسين في المدارس والجامعات، وتوفير برامج توعية مناسبة في النوادي المدرسية والجامعية..
إن هذا التقرير هو لبنة أولى لمجهود قامت به أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف، ليشكل دعوة مفتوحة للعمل المشترك بين مختلف الأطراف المتدخلة من مؤسسات الدولة ومنظمات وطنية وإقليمية ودولية من أجل الدفاع عن المساواة وعن حقوق النساء ومن أجل الوقاية من حدوث جرائم التقتيل خاصة كما أنه يهدف إلى تحقيق النفاذ للعدالة بشكل ميسر يحفظ الكرامة الإنسانية ويثبت مرة أخرى أهمية دور المجتمع المدني والمنظمات المدافعة على حقوق النساء في مكافحة العنف ضد النساء والفتيات.
شارك رأيك