شعرت الإدارة الأمريكية بخيبة أمل كبيرة بعد إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على اقتحام مدينة رفح رغم التحذيرات العالمية من كارثيّة ما سيقوم به جيش الاحتلال الصهيوني، لذلك علّقت شحنتها العسكرية التي كانت من المفترض أن تصل إسرائيل في هذه الفترة وهي أسلحة خطيرة ودقيقة يمكن أن تفجّر الأوضاع في المنطقة إذا استخدمتها دولة الاحتلال الصهيوني بصفة مفرطة، والملاحظ أن هذه الشحنة لم تُلغَ من الأساس وإنما عُلّقت كما تقول الإدارة الأمريكية حتى ترى ما سيُقدم عليه نتنياهو الذي يصرّ على مواصلة الحرب واقتحام واجتياح مدينة رفح.
فوزي بن يونس بن حديد
وبعد إغلاق جميع المعابر التي تمرّ منها جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تكون إسرائيل قد أحكمت إغلاق القطاع في وجه أي مساعدات دولية قد تدخل من أي مكان وبالتالي فهي تحاصره من كل الجهات وتمنع عنه الغذاء والماء والدواء وحتى الهواء، حتى تستسلم كتائب القسّام ومن معها من فصائل المقاومة لشروط إسرائيل ومن ثم القضاء على الحركة ومقوماتها الجهادية التي بنتها منذ نشأتها.
وفي حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخير عن تعليق شحنات الأسلحة، ما له وما عليه، فهو يتحدث عن علاقة وطيدة مع إسرائيل وعن عدم تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن حليفتها مهما كانت الأوضاع بينما يتحدث نتنياهو عن مواصلة الحرب حتى بأظفاره ولا يسمع كلام صديقه بايدن الذي يحاول منعه من دخول رفح، هذا ظاهر العلاقة وشكلها والكل يتحدث عنه باعتبار أن هناك خلافا عميقا بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو.
مسرحية يُحسن إخراجها بايدن و نتنياهو
لكن الحقيقة تبدو غير ذلك فهي مسرحية يُحسن إخراجها كل منهما، فالأول يريد تحسين شعبيته بعد أن تدنّت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق خاصة إثر تعامله بعنف مع الاحتجاجات التي أطلقها طلبة الجامعات والتي دلت على أن الديمقراطية التي يريدها بايدن ومن ورائه الغرب هي تلك الديمقراطية التي تعني السيطرة العميقة على الشرق الأوسط وعلى مكنوناته وثرواته واستعباده بما يسمح لأمريكا أن تتسيد العالم من جديد بلا منازع وتحمي بموجبها حليفتها إسرائيل.
والدليل الدامغ على ذلك أن بايدن وجد مبرّرا لإطلاق لومه على نتنياهو واتخذ اجتياح رفح ذريعة لتبيان أنه يعارض هذه العملية بقوّة وأنه يساعد الفلسطينيين من خلال معارضته تلك، بينما هو الذي منح الضوء الأخضر لنتنياهو من بداية الحرب لاجتياح كل ما يمكن اجتياحه بقوة ودون هوادة وذاك واضح من خلال إصراره على تدمير حماس، فالإدارة الأمريكية تكيل بمكيالين وتتعامل مع الأحداث بازدواجية فضّة ووقحة، وتضغط على العرب لكي يضغطوا على حماس حتى تقبل بالاتفاق الذي تريده إسرائيل ويخرج بموجبه الرهائن حتى لو أدى ذلك إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.
وأما الثاني فهو يماطل ويراوغ، وكأنه أمام لوحة شطرنجية ينقل بيادقها كيفما يريد ليصل إلى هدفه الأساس وهو تدمير حماس وبالتالي يقضي على العنصر الأساس (كش مات)، فهو ينتظر الانتخابات الأمريكية القادمة حتى ينجو بفعلته الدنيئة أمام المجتمع الدولي الذي مازال يُضيّق عليه الخناق من كل جانب رغم عجزه على كبح جماحه، لأنه يعلم أن دونالد ترامب هو الأوفر حظا بالفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر 2024م، ومع الضغط الداخلي من عائلات الأسرى وضغط المتطرفيْن بن غفير وسموتريتش في حكومته مازال نتنياهو يفكر أن يسير في طريقين موازيين يختار بينهما عندما يشعر أنه بدأ يغرق في منتصف طريقه السياسي.
ورقة الرهائن هي الوحيدة التي تستطيع حماس المساومة بها
فالأمر لا يعدو أن يكون ابتزازًا من الإدارة الأمريكية للعرب، ومن الحكومة الصهيونية لحماس، حتى يصلا إلى الهدف الأساس، وهو إطلاق سراح الرهائن، وهو ما ترفضه حماس رغم جهد الوسطاء، فالأمر ليس سهلا لأنه إن وافقت حماس على إطلاق الرهائن دون إلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار فإن الحكومة الصهيونية ستقضي على كل ما تبقى في غزة وتردم كل فلسطيني بجرّافاتها وتحرق كل شجرة زيتون مثمرة وكل أرض صالحة وتهدم كل بيت صالح للسكن، ولن يردعها شيء لا في الأرض ولا في السماء، فالرهائن هم الورقة الوحيدة والقويّة التي تستطيع حماس المساومة بها أمام هذا المارد الصهيوني والأمريكي، فإن ضاعت من أيديهم ضاع كل شيء هدرًا.
فلا ينبغي لحماس أن تستسلم في المرحلة الأخيرة من الحرب على غزة، والمطلوب منها الصمود إلى آخر الطريق، فليس هناك شيء أقوى مما خسرته من قبل، من نفوس أبرياء بالآلاف، ومستشفيات ومدارس وبيوت وشوارع وأراض زراعية، وغيرها الكثير، ولم يبق أمامها إلا كسر هيبة الجيش الصهيوني وتمريغ أنفه في التراب، وصدّ محاولات أمريكا المراوِغة المستعمِرة، والوقوف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص إلى آخر رمق في الحياة قبل النصر المبين.
شارك رأيك