تكشف آخر الإحصائيات الرسمية أن عدد النزلاء فى السجون التونسية قد تضاعف بشكل غير متوقع خلال السنوات الأخيرة، و اللافت أن هناك ما يزيد عن ثلاثة عشر ألف نزيلا موقوفا بشكل تحفظي بموجب بطاقات إيداع و إثر تهم بعضها يصل الحكم فيها للإعدام. بطبيعة الحال هذا الرقم المرعب لا يدخل فيه عدد المحتفظ بهم في مراكز الإيقاف على ذمة الضابطة العدلية و الذين يتجاوز عددهم الآلاف حسب تقارير المنظمات التونسية و الدولية ذات العلاقة.
بقلم أحمد الحباسي
هذه الأرقام تؤكد أن هناك أمرا غير عادي و أن هناك ما يستحق البحث و التنقيب و التساؤل : هل بات السجن هو القاعدة و الحرية هي الاستثناء؟ هل تسعى السلطة الحالية إلى وضع حد لحرية التعبير أم لبعض الألسن التي تجاوزت الخطوط الحمراء ؟ ذلك على الأقل ما تقوله المعارضة و تؤكده المنظمات المدنية منذ فترة ليست بالقصيرة.
هل هي عودة الديكتاتورية ؟
لنتحدث بصراحة و نتساءل بمنتهى الصدق: من يحدد مساحة حرية التعبير و من يضع الخطوط الحمراء و من يوصف جرائم حرية التعبير و هل هناك إرادة سياسية مبطنة تسعى إلى وئد حرية التعبير باعتبارها الأداة و السلاح القوي الوحيد الذي تملكه الأصوات الحرة لمواجهة ما تصفه بالطغيان أو الاستبداد أو النزعة إلى الحكم الفردي؟ لماذا تتعالى الأصوات التي تقارن فترة الرئيس قيس سعيد بفترة الرئيس الراحل زين العابدين بن على و التي تجاهر بكون الرئيس الراحل كان أقل ديكتاتورية و هضما لحقوق الإنسان من الرئيس الحالي الأستاذ قيس سعيد؟ هل أن إيقاف المدونين والصحفيين و رجال الرأي هي أفضل طريقة لفرض حالة من الصمت و هل أن السيد الرئيس مقتنع بمثل هذا الطرح و هو الذي يعلم أن تكميم الأصوات هو مسار يؤدى إلى الانفجار كما حصل في تونس و في بلدان أخرى يضيق المجال لذكرها؟ هل أن الرئيس هو الذي يسعى شخصيا لتكميم الأفواه أم أن هناك من يدبّر مثل هذه الإيقافات من باب ضرب ما يسمى بمسار 25 جويلية من الداخل ؟
لا أحد يصدق أن السيد الرئيس غائب عما يحدث من إيقافات و ما تتخلل عملية الإيقاف من تجاوزات أمنية ترتقي إلى جرائم حق عام تتعلق بالضرب و السب و القذف و لا أحد يصدق أنه و رغم الاختلاف مع مسار 25 جويلية برمته أن الرئيس يسعى إلى ملء السجون و تجاوز القانون لكن هناك من يتحدث أن الرئيس قيس سعيد قد فقد السيطرة على الواقع و أنه في سعيه لتفعيل الرقابة الأمنية و القضائية قد أطلق أيادي العنف الأمني و تجاوز القانون من بعض السادة القضاة الذين يسعون إلى تجنب غضب الرئيس و تهديداته المتكررة بفتح الملفات.
لعل السؤال الأكثر إلحاحا يقول هل أن كل هؤلاء الذين تم إيقافهم بتلك الطرق و في تجاوز للقانون هم مذنبون متخفون تم التفطن إليهم فجأة و هل أن هناك من هؤلاء المحامين و الإعلاميين من كان يخطط ضد أمن الدولة أو يتواطأ مع جهات داخلية أو خارجية للمس من حرمة السيادة التونسية؟ هل أن العبارة السيئة التي أطلقتها الأستاذة سنية الدهماني تستحق كل هذا الهرج و المرج و الحال أنه كان من الحكمة التعامل مع الخطأ بشيء من الحنكة و حسن التصرف الأمني و القضائي؟
حرية التعبير مستهدفة بقوة
الواضح للعيان أن هناك نية قضائية و أمنية لبث و زرع الخوف في النفوس و الواضح أن حرية التعبير مستهدفة بقوة كما أنه من الواضح أن السلطة الحاكمة لم تصل إلى اليوم إلى قناعة بأن الأمور تسير إلى الوراء و أن حالة الإحباط قد وصلت إلى مداها وهو ما تؤكده أعداد الحارقين و تصاعد أعداد العاطلين عن العمل و تجار التهريب و السوق السوداء التي باتت تشكل دولة داخل الدولة.
لا يمكن للسيد الرئيس أن يجمع الصالح و الطالح في نفس السلة كما لا يمكنه و البلاد تسير نحو المجهول أن يصر على العكس و لذلك فالمطلوب اليوم و من باب الوطنية و نكران الذات أن نطالب بمراجعة مسار تصفية الأصوات الحرة و الالتجاء إلى صوت الحكمة كما يفعل كبار الزعماء في اللحظات الحرجة.
لقد بات مسار الوطن فى خطر و ليس مسار 25 جويلية فقط و بات الجميع على اقتناع أن سيادة الرئيس قد اختار الهروب إلى الأمام رغم كل الإشارات الحمراء و لعله لم يقرأ التاريخ مع أنه كان له في ما حصل في 14 جانفى2011 كثير من الدروس و العبر. إن المطلوب هو فسح المجال للعقول و الآراء لا فتح السجون للأصوات المعارضة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك