استفاقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم على نبأ عظيم هزّ البلاد والإقليم معًا، خبرٍ صاعق إثر تعرض طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لحادث أمس في منطقة جبلية وعرة بعد زيارة منطقة على الحدود مع أذربيجان لافتتاح سد قيز قلعة سي وهو مشروع مشترك بين الدولتين، ومما زاد من أهمية الخبر أن الطائرة المروحية كانت تحمل إلى جانب الرئيس رئيسي، وزير الخارجية حسين عبد اللهيان الذي شغل العالم في الفترة الأخيرة بتصريحاته النارية عن غزة وموقف إيران من الهجوم الصهيوني البربري على غزة وما تبعه من هجوم على السفارة الإيرانية في دمشق، وتحميله الكيان الصهيوني لما يجري في غزة وإصرار العدوّ على مواصلة الحرب رغم اعتراضات العالم ومطالبته إسرائيل بفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية.
فوزي بن يونس بن حديد
كيف تحطمت طائرة الرئيس الإيراني وهي التي من المفترض أن تكون مجهّزة بأرقى أنواع السلامة لأهم شخصية في البلاد بعد المرشد الأعلى؟، كيف سقطت طائرة الرئاسة وهي التي من المفترض أن تكون لديها استشعار عن بُعد لأي خطر يمكن أن يحدث لها في أي وقت؟، كيف لم يقرأ المسؤولون الإيرانيون أحوال الطقس في تلك المنطقة التي ذهب إليها الرئيس إبراهيم رئيسي قبل أن يتحرك الموكب الرئاسي خطوة واحدة؟، كما أن الطائرة كانت تضم مسؤولين كبارا في الدولة أمثال وزير الخارجية وممثل المرشد الأعلى للجمهورية، وهل يمكن أن يكون هناك تهاون من الأجهزة المعنية في إيران لعدم إخضاع المروحية لاختبار معايير السلامة مما قد يكون تسبب في تحطمها إلى جانب ما عانته وكابدته هذه المروحية من مواجهة الطقس السيء في المنطقة؟، ولماذا سلِمت المروحيتان الأخريان بينما تعرضت مروحية الرئيس لحادث أليم؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تُطرح في هذا الحادث الكبير الذي تعرّضت له مروحية الرئيس الإيراني أمس في منطقة وزرقان وهي تجوب تلك المنطقة الصعبة والوعرة جدا، وفي الوقت نفسه قد تكون هناك تخمينات أخرى على طاولة البحث تدعم هذا الرأي أو ذاك.
إيران تحت الحصار العالمي المشدّد
ونظرا لاعتبارات كثيرة ومتشعبة، فإن الأمر جدُّ معقّد كما يبدو حتى تظهر التحقيقات أولا بأول لتبين حقيقة ما حدث للرئيس الإيراني ووزير خارجيته، فربما كانت إيران ولا تزال تحت الحصار العالمي المشدّد مما أفقدها الحصول على قطع غيار مهمة لصيانة أجهزتها وطائراتها من أي عطب أو خلل فني يكون مدمّرا كما حدث أمس، وهذا قد يؤخذ في الحسبان.
لكن الذي يتبادر إلى الذهن أيضا أن هذه المروحية تكون قد تعرضت لكمين مُحكم من الموساد الصهيوني الذي ينشط بكثافة في المنطقة، وسبق له أن قام بعمليّات اغتيال كبيرة في إيران وخارجها، ولا يمكن أن ننزّه إسرائيل أو نبرّئها من أن تُقدم على هذه العملية خاصة إذا علمنا أن إيران هي أكبر داعم للقضية الفلسطينية منذ نشأتها، وبقيت على عهدها في الدفاع عن القدس الشريف وغزة والفلسطينيين والمقاومة عموما، بل إن الرئيس الإيراني الراحل ووزير خارجيته كانا من الشخصيات البارزة التي تدافع وبقوة عن شرف المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، والاستعمار الأمريكي.
وسواء سقطت طائرة الرئيس أو أُسقطت فقد رحل فخامة الرئيس الدكتور إبراهيم رئيسي الذي شغل العالم منذ توليه رئاسة البلاد، وعمل على تحسين علاقات بلاده مع جيرانه، فبدأت أولى خطواته مع المملكة العربية السعودية في لقاءات مباشرة مستمرة بوساطة عُمانية وعراقية مثمرة نتجت عنها زيارات متبادلة كانت بداية لعهد جديد، وعمل أيضا على تقوية جانب المقاومة من خلال توثيق صلته بالجمهورية العربية السورية، فلم يكن يعلم الرئيس ولا وزير خارجيته اللذان أنذرا إسرائيل وأمريكا أكثر من مرة لمحاولاتهما المتكررة قلب نظام الحكم في إيران وإثارة البلبلة وزعزعة الاستقرار من خلال إثارة الفتن الداخلية وتأليب العالم عليها، وقد باءت جميع محاولاتهما بالفشل الذريع.
في انتظار انتهاء التحقيق و بيان الحقيقة
وقد جاءت هذه العملية لتعيد جميع السيناريوهات المحتملة، وأنه قد يكون هناك اختراق أمني كبير قد حدث إبّان زيارة الرئيس الإيراني أو أثناءها وبعدها للوصول إلى قمة الهرم السياسي في إيران وضربه ضربة موجعة وهو ما حدث فعلا إثر الزيارة التي قام بها رئيسي إلى منطقة وعرة في البلاد رغم تطمينات المرشد الأعلى آية الله خامنئي الشعب الإيراني من أن
الأمور تحت السيطرة وأن لا خوف على البلاد من أي تغيّرات قد تحدث، وقد سبق أن هيّأ المرشد الأعلى الشعب الإيراني للخبر المؤلم الذي استفاقت عليه إيران اليوم بعد الحصول على حطام الطائرة الرئاسية.
أم هو القدر الذي لا مفر منه حيث وافى إبراهيم رئيسي الأجل في الموعد والمكان المحدّدين وأن الأمر كان طبيعيًّا، ولا يد أجنبية متعمّدة أرادت أن تسقط الطائرة المروحية، وعلى الشعب الإيراني أن يتقبّل ذلك بنفس راضية، وأن الدستور الإيراني واضح في تسيير شؤون البلاد إذا شغر منصب الرئيس نتيجة عجز أو وفاة. وبالطبع ستكون التحقيقات هي الفيصل في مثل هذه الحوادث الأليمة لبيان الحقيقة.