هل باتت حرية التعبير فعلا مهددة في تونس ؟ 

“ما ربحنا من الثورة إلا حرية التعبير”، لعل هذه العبارة الموجزة لم تعد صالحة اليوم بل لعل هناك اتهامات باتت تطال الرئيس قيس سعيّد بكونه أصبح معاديا لحرية التعبير التي يعتبرها الجميع المكسب اليتيم الوحيد الذي ربحه المواطن و كاد يغطي بقية الاستحقاقات الأخرى التي نادت بها الثورة و بالذات مطلب الشغل و الكرامة الوطنية. (الصورة : برهان بسيس و مراد الزغيدي).

أحمد الحباسي

لعل هناك من يطرح احتمالين لا ثالث لهما الأول يقول أن الرئيس يستهدف حرية التعبير و لو بالحد الأدنى باعتبار أنه يرى أن هناك فلتان جدلي غير محمود يؤدي إلى “تشليك” المسؤولين و ضرب هيبة الدولة و بث الفوضى بما يسمح بظهور مساحات من المهاترات في وقت يحتاج فيه الجميع إلى رص الصفوف و وحدة الموقف و تلافي المطبات الكثيرة التي من شأنها أن تعطل مسيرة الإصلاح خاصة بعد ما تسبب فيه حكم حركة النهضة من ازدهار الفكر و الممارسة الإرهابية المتطرفة و ما حدث للاقتصاد من كساد و انكسار و تراجع أدى إلى وصول البلاد إلى حافة الإفلاس.

الاحتمال الثاني أن هناك جهة أو جهات مغرضة في القضاء على وجه الخصوص تسعى إلى ضرب الدولة من الداخل تحت يافطة تنفيذ تعليمات الرئيس بمحاسبة كل من يخرج على السراط المستقيم حسب وجهة نظره.

 لنتفق أولا أننا لا ندافع إطلاقا على هؤلاء المغرضين و لا على هؤلاء الذين يمثلون إعلام الزبالة و لا على كل من يمارس الدعارة الإعلامية بمقابل كما لسنا من أنصار الإسهال الإعلامي الذي يستهدف هيبة الدولة أو قاماتها في كل المجالات. يبقى فقط أننا لا نقبل تجريم الدفاع عن الوطن و تأثيم الروح الوطنية و نتمنى صادقين أن يتوقف هذا التجريم و التأثيم الذي يتعرض له بعض الذين آمنوا بأن الوطن أمانة في عنق الجميع و أن النقد و ممارسة المعارضة الصادقة هو أبهى حلل الديمقراطية التي نتمنى أن نساهم و لو بلبنة صغيرة في إشعاعها و صلابة عودها.

الصمت يصبح خيانة عظمى

ليتفهم الجميع و سيادة الرئيس أولهم أن الأمر لا يتعلق بنا و لا بشهوة أو نزوة  بل يتعلق الأمر بتونس حيث تصبح هموم المواطن محور اهتمامنا و سبب انتقادنا لكل ما يمس من ضرورة تحقيق هذه الاهتمامات.

هل يريد سيادته، لا قدّر الله، أن نسكت و نحن نشمّ رائحة المؤامرة النتنة تنبعث من بعض أوكار الشرّ من أجل أن يتحول هذا الوطن العزيز إلى جزر لا تفصل غير الدماء و المؤامرات بين جزيرة و أخرى؟ كلا يا سيادة الرئيس، إن الصمت يصبح في نظرنا خيانة عظمى في حق الوطن و الشهداء الذين سقوا هذه التربة الطيبة بدمائهم الطاهرة فما قيمة ما نكتب إذا لم يقصد منه تحقيق مقاصد الشهداء و صيحات الجماهير.

 يجب أن يكون هناك خطاب توضيحي و رؤية صريحة لمفهوم حرية التعبير في ذهن السيد الرئيس لأنه في غياب ذلك نضيع كثيرا من الوقت و نرتكب كثيرا من الأخطاء و التصرفات غير المحسوبة بحيث يختلط الحابل بالنابل و يستوي الطالح بالصالح و تصبح مساحة الوطن غير كافية لممارسة هذا الشجار بين  مؤسسة القضاء و مؤسسة حرية التعبير.

لا يمكن تصديق حملة السيد الرئيس الرامية إلى مقاومة الاحتكار في المؤن و السلع و الحال أنه يمارس الاحتكار سواء على مستوى تجميع كل السلطات التنفيذية بين يديه أو على مستوى ما نلاحظه من احتكاره للكلمة و للخطاب في تواصله مع وزرائه أو  في رغبته الواضحة في استعجال القضاء و حثّه على  فتح الملفات متجاهلا أن الجسم القضائي يعانى من ترهل و عدم وجود إمكانيات بشرية و مادية مما يجعله نتيجة للضغوط يرتكب التجاوزات في حق كل من مارس حرية التعبير أو طالب بالمحاسبة و كشف المستور.

بعد صدور الأحكام الأخيرة ضد الصحفيين برهان بسيس و مراد الزغيدي بسنة سجنا كاملة بسبب تصريحات إعلامية تبدو جد عادية ربما هناك من بات يفكر في اعتزال الكتابة و ربما سيخسر الوطن أقلاما مناضلة كثيرة لم يعد بإمكانها مواجهة وحشة السجون و ظلام المستقبل فإذا كان هذا مقصد السيد الرئيس – ولا نظنه كذلك – فلنبكي على وطن أضعناه بسبب تعنتنا و عدم تسامحنا و ضيق صدرنا.

لن نتنازل عن حرية النقد البناء

نحن نعلم علم اليقين أن هناك مستفيدون كثيرون في الداخل و الخارج من فشل الثورة و من انسداد الرؤية و من تهميش حرية التعبير و لكننا لا نزال نؤمن أن الشمس ستظل كما عهدناها دائما  تشرق من الشرق و لذلك لن نتنازل عن حرية النقد البناء و المواجهة مع أدعياء البهتان و الزور و مع قضاء يسيء أحيانا من حيث لا يدري لمفهوم العدالة و مع كل هؤلاء الذين ينصحون بالصمت إلى أن يمر الوقت و يستحيل الإصلاح أو التغيير.

نحن ندافع عن الوحدة الترابية المقدسة و السيادة و الراية الوطنية العالية و على النظام الرئاسي بمفهومه الجامع الموحد الذي يستعمل خطاب التهدئة و ينبذ التطرف و التعنت فى الفكر. 

نحن ندافع عن وطن نحن فيه شركاء على الشياع لا مكان فيه للإرهاب و للإخوان و لوكر يوسف القرضاوي و للمدارس “القرآنية” و الجمعيات “الخيرية” المشبوهة و لعملاء السفارات أو خدم المشروع الصهيوني.

نحن نحارب و نواجه و نطالب بتطهير الدولة من بكتيريا الفساد و ميكروبات النهب و التهريب و تجارة السلاح و ممارسة البغاء.

نحن مع الوطن و لا غيره و نحتمي بسلاح حرية التعبير لممارسة هذا الشرف النضالي دون خوف أو  انكسار أمام التعنت.

كاتب و ناشط سياسي.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.