تعالت الأصوات و كثرت الاتهامات و كشفت عدة حقائق مزعجة و اختفى صوت القائمين على مؤسسة الهلال الأحمر التونسي و فتحت تحقيقات و لكن لا أحد يدرك ما حدث و لا يزال يحدث بل يظهر أن هناك ما يستحق تدخل رئيس الدولة و ما يدعو إلى شدة المحاسبة و كشف المشتور.
بقلم أحمد الحباسي
ما كشفه برنامج “الحقائق الأربع” منذ أيام صادم و مثير للاهتمام و التساؤل و الريبة و التشاؤم و ما تضمنته الصور فاق كل الاحتمالات و بات مدار حديث التونسيين الذين كانوا في الموعد لتقديم الإعانات المختلفة لأهالينا في غزة لمساعدتهم و لو بالحد الأدنى على تجاوز بعض الصعوبات بعد أن دمر الاحتلال الصهيوني كل شيء في غزة.
ربما طرح القائمون على هذا البرنامج بعض الأسئلة في محاولة لكشف المستور و الوصول إلى الحقيقة لكن إدارة الهلال الأحمر المتهمة بعديد الإخلالات و سوء التصرف و ربما الاستيلاء على المال العام تجاهلت و تعمدت عدم الرد و بيان الحقيقة بحيث أثبتت أنها تستحق كل الاتهامات و الشكوك كما تستحق المساءلة القانونية.
مؤسسات على رأسها ريشة
حين تشاهد بأم العين كل تلك الأكداس من المواد الغذائية و الطبية و كل تلك الأعداد من الآلات على مختلف الأنواع التي بإمكانها التخفيف من عبء معاناة الشعب الفلسطيني و هي متروكة للعراء و تحت الأمطار دون رقيب أو حسب و دون وجود دفاتر إحصاء و تدقيق و حين ترفض إدارة الهلال الأحمر التونسي الخروج للإعلام لتقديم المعلومات حول هذه الحالة المثيرة من سوء تسيير المرفق العمومي فالواجب أن نطرح عديد الأسئلة حول غياب الرقابة و المحاسبة و تسليط العقاب و هل تحولت بعض المؤسسات الرسمية إلى مزارع خاصة و هل أنه من حق المواطن أن يطالب و هو الذي قدم هذا العون بمختلف أشكاله بكشف الدفاتر و محاسبة إدارة الهلال الأحمر التونسي التي يظهر أنها تحولت إلى دولة داخل الدولة و ربما لها علاقات دولية تحميها من المساءلة و يمكن اعتبارها من بين المؤسسات التي على رأسها ريشة و لن تطولها لا محاسبة و لا مجرد لفت نظر.
لعل من علامات فشل السياسة الرسمية المعلنة و المتعلقة بشعار مكافحة الفساد هو هذا التعتيم المبالغ فيه حول ما يجرى داخل منظمة الهلال الأحمر التونسي خاصة و قد تحدث البعض في وسائل الإعلام على شبهات تحويل أموال المنظمة لغايات وحسابات شخصية خاصة و الحديث هنا عن مليارات يتم ترحيلها إلى وجهة غير معلومة مثلما أشار إليه السيد محمد هادى المناعى مدرس إسعافات أولية في برنامج ” الحقائق الأربع”.
هل يمكن تصور أن يقوم رئيس منظمة عتيدة مثل الهلال الأحمر التونسي بحجب المعطيات المالية و فتح حسابات بنكية بصفة منفردة و سرية دون الإمضاء حسب الإجراءات القانونية المعمول بها؟ هل يعقل أن يمنع رئيس هذه المنظمة مراقب الحسابات من الاطلاع على كشوفات و فواتير و إحصائيات المنظمة و هل يمكن القبول بحصول جلسات عامة دون تقارير مالية إضافة إلى شبهات تضارب مصالح و عمليات نقدية مشبوهة؟ لماذا لم تدق التفقدية الإدارية و المالية ناقوس الخطر و صمتت على كل الشبهات التي طالت الهلال الأحمر التونسي و التي من شأنها أن تمس بمصداقيته و بثقة المتبرع فيه مستقبلا.
ضرب فاضح لقانون الحق في النفاذ للمعلومة
لعله من المحيّر فعلا و بالتوازي مع غياب الرقابة الحكومية و حالة التعتيم أن إدارة الهلال الأحمر التونسي لم تتفضل بنشر قيمة التبرعات الموجهة للشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي يتعارض كما يعلم الجميع مع الفصل الثالث من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ فى 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات كما أنه من المحيّر أيضا أن تمتنع الإدارة على تمكين وسائل الإعلام من المعلومة في ضرب فاضح لقانون الحق في النفاذ للمعلومة مما يخلق انطباعا مخيفا بأن هذه المؤسسة تخفى كوارث على كل المستويات و هنا نتساءل كيف للنيابة العمومية التي تتحرك في ظرف ساعات لإيقاف و محاكمة شخص من أجل تصريح أو تدوينة و تغض السمع و البصر و كل السواكن إزاء تصريحات شخصيات المجتمع المدني التي توجه اتهامات مباشرة خطيرة مثل الاستيلاء على المال العام و الاختلاس و سوء تسيير المرفق العمومي و إتلاف مؤن الخ …
ليبقى السؤال : من يحمى إدارة الهلال الأحمر التونسي؟ و هل هذه الإدارة فوق المساءلة و لماذا هي كذلك ؟ هل بات مسموحا أن نتساءل هل أن ما يجرى داخل هذه المؤسسة و ما تم الكشف عنه من تجاوزات خطيرة سيضر مستقبلا بعلاقتها بالمواطن المتبرع و هل أن عدم المحاسبة و كشف المستور ستدفع المتبرعين إلى رفض التعامل و هو ما سيتسبب في نتائج وخيمة عند حدوث الكوارث و الأزمات.
السؤال يطرح اليوم على الدولة فهي المسؤول الأول على توضيح الأمر و رفع الالتباس و إعادة التقة في هذه المؤسسة…
كاتب و ناشط سياسي.