عندما يصبح العنف طريقة للتعبير في تونس

ما حدث من عنف يوم أمس الأحد 2 جوان 2024 بملعب حمادى العقربي برادس أثناء و بعد مبارة النادي الإفريقي و الترجي الرياضي فى كرة القدم يندى له الجبين و لكنه ليس حدثا عابرا أو حالة منعزلة أو مجرد خطأ معزول ارتكبه جمهور النادى المستضيف.

أحمد الحباسي

من المسؤول على تفشي ظاهرة العنف فى تونس و هل يمكن معالجتها بتطبيق القوانين القائمة في المجلة الجزائية؟ وهل أن إحداث قوانين زجرية جديدة صارمة قادر على اجتثاث هذا الغول المرعب كما يدعى البعض ؟

 بدأنا بالأسئلة ليس بحثا عن الأجوبة كما يتبادر لذهن البعض بل لمحاولة بسط واقع بات يهدد مجتمعنا الذي تحللت فيه كل القيم و المبادىء و الضوابط الأخلاقية و أصبحت فيه العلاقات بين المواطنين و بينخم و بين ممثلي السلطة متوترة الى أبعد الحدود.

ما حدث يوم أمس الأحد 2 جوان 2024 بملعب حمادى العقربي برادس أثناء و بعد مبارة النادي الافريقي و الترجي الرياضي فى كرة القدم  يندى له الجبين و لكنه ليس حدثا عابرا أو حالة منعزلة أو مجرد خطأ معزول ارتكبه جمهور النادى المستضيف. اليوم يجب أن نقرّ و نعترف أن هناك لغة جديدة غير اللغات الحيّة المعروفة وهى لغة العنف و من يمارس أو يستعمل أو يتحدث بهذه اللغة ليست فئة قليلة من الشعب التونسي بل نحن نشهد تصاعد لغة العنف كأسلوب للحياة و للحصول على الأهداف.

لغة العنف للحصول على المطالب

من أين جاءت الشماريخ و كيف دخلت و لماذا لم  تتدخل أجهزة الأمن لمعرفة الحقيقة و محاسبة ناشري الفوضى و هل يوجد تواطؤ أمنى فى هذا الخصوص و هل صحيح أن هناك من يستغل الاأحداث الرياضية لنشر الفوضى و ثقافة الاقتتال بين المتفرجين وقوات الأمن و هل أن ما حدث عدة مرات من مظاهر عنف و حرق و تكسير ناتج عن فشل بعض القيادات الأمنية فى مواجهة ظاهرة العنف خاصة بعد أن ضعفت هيبة الدولة و باتت هناك مظاهر عدم خشية العصا الأمنية أو ما يسمى بالقوة الناعمة؟

لعل هناك من يؤمن اليوم أن الدولة بعد أن مارست لغة القوة و العنف ضد مواطنيها منذ الاستقلال قد تعرضت لهزة عنيفة منذ أحداث 14 جانفى 2011 فقدت فيها سيطرتها على الاحداث و باتت فى قفص الاتهام و رهن المحاسبة القضائية بحيث باتت تتخوف من ممارسة صلاحياتها لضبط الشارع و لذلك حلت لغة العنف التى شاهدنا مظاهرها فى عدة أحداث اجتماعية أو رياضية أو سياسية منذ ذلك التاريخ.

اليوم هناك ميل صارخ و متصاعد لممارسة لغة العنف للحصول على المطالب و ضرب هيبة الدولة  و هى عاجزة تماما على رد الفعل.

لغة التنسيب لم تعد مجدية لأنها لا تعكس الحقيقة

 لغة العنف لم تعد منحصرة فى فئة أو جهة أو جمهور معين بل هى ظاهرة عامة يمارسها الجميع دون ذرة خجل و ما نشاهده فى الملاعب هى صورة مصغرة جدا لما يحدث فى الشارع يوميا و مع ذلك لا يزال بعض المحللين و المسؤولين يعاندون الواقع و يفضلون عملية التنسيب بالادعاء الكاذب و المنافق بأن من يمارسون لغة العنف هم مجرد فئة قليلة و الحال أن ما شاهدناه بالأمس على سبيل المثال يفند تلك المزاعم و يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأغلبية قد باتت تمارس العنف و تتحدث بلغة العنف معبرة عن كونها لا تخشى تدخل عناصر الأمن و لا انتقاد الملاحظين و لا إمكانية دخولها للسجن: إن لغة التنسيب لم تعد مجدية لأنها لا تعكس الحقيقة بل تتسبب فى فقدان التخطيط لمواجهة غول العنف و تعطي الوقت لهؤلاء الذين يؤمنون شديد الإيمان بالعنف كوسيلة  للتنفيس عن هموم النفس و تحقيق المطالب و إعطاء الانطباع للسلطة بكونها قد فقدت السيطرة على الشارع و على القدرة على تأمين التظاهرات مهما كان نوعها و مكان إقامتها.

حين تخرج علينا الجامعة التونسية لكرة القدم مثلا و بواسطة أحد هياكلها و بعد ما حصل من عنف معلنة تخطئة النادى باللعب بدون جمهور أو بخطية مالية فذلك عين العبث و عدم المسؤولية و سوء تسيير هذا المرفق الرياضي و لعل المنطق يفرض على  قيادة الجامعة التى تمارس هذه العقوبة المخجلة و السخيفة و لم تتسلح بقوانين رادعة و صارمة رغم مرور هذه السنوات وهي  تقود هذا المرفق أن تستقيل وهو أضعف الإيمان كما يتعين على وزيري الشباب و الداخلية أن  يعفيا نفسهما بأنفسهما فالأول لم يفلح في سنّ قوانين تحمي الممارسة الرياضية و تحمي المبادىء الأولمبية و الثانى لأنه فشل رغم ما يملكه من قوة استطلاع و بحث وتحري من  التعامل مع لغز محير وعجيب إسمه الشماريخ.  

بطبيعة الحال لم يأت الوقت لإقالة السيد وزير الشباب و الرياضة رغم كل علامات الفشل فى إدارة ملف إعادة تأهيل ملعب المنزه و فتح ملف ملعب الشاذلي زويتن كما يمكن اعتبار ما حدث ليلة أمس بملعب رادس إشارة حمراء و ناقوس خطر بالنسبة لوزير الداخلية الجديد الذى عليه فك شفرة الرسالة العنيفة الموجهة إليه قبل غيره والسعي الى وضع حد لمناخ العنف المستشري فى كل مكان دون حسيب أو رقيب.

كاتب و ناشط سياسي.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.