عُقدة من يُمسك غزة بعد الحرب ستظل النقطة الفارقة والجوهرية في صفقة التبادل إن تمت بين إسرائيل وحماس، ويمكن أن تؤجج الصراع من جديد إن لم يتم حلُّها من البداية أيضا، ولا نظن أن حماس وغيرها من الفصائل تغفل عن مثل هذه النقطة الجوهرية في الخطة المفترحة حاليا من الولايات المتحدة. (الصورة : هل يرضى نتنياهو بخطة يظل فيها السنوار ممسكا ببعض قواعد اللعبة في غزة ؟)
فوزي بن يونس بن حديد
لا ندري إن كانت الصفقة المطروحة بين إسرائيل وحماس خطة أمريكيّة أو إسرائيليّة، فلئن أعلنها الرئيس الأمريكي على الملأ يوم الجمعة الماضي فليس ذلك يعني أنها خطة أمريكية، إضافة إلى أن بنيامين نتنياهو انتقدها بشدّة حيث ذكر أنها لا تحمل إلا جزءا منها فقط ولا تضم تفاصيل دقيقة، وفي الوقت نفسه يحجم نتنياهو عن الإفصاح عن خطّته كاملة ويخبّئها عن حليفيه الرئيسين في الحكومة بن غفير وسموتريتش وكأنه لا يريد أن يُطلعهما عليها.
وفي الوقت نفسه يؤكد على أن مسألة وقف الحرب في غزة مستبعد ولا يكون إلا بعد القضاء على حماس، مما استفز بن غفير هذا التصرف وأعلن في مؤتمر صحفي خاص به أن حزبه سينسحب من الحكومة فورا إن مضى نتنياهو في إجراء صفقة تبادل مع حماس، وعلى هذا المنوال سار سموتريتش أيضا، وبالتالي يسود هذه الخطة ضبابية كبيرة وتشوبها ملحوظات كثيرة، ورغم ذلك فالطرف الأمريكي يطلب من حماس أو يطالبها بالقبول بها فورا.
كمائن مُحكمة نتيجتها مؤلمة على الجيش الصهيوني
أما حماس، فهي قد وافقت مُسبقا على خطة الوسطاء ورفضها الجانب الصُّهيوني قبل عملية رفح، وظن أن عملية رفح هي التي ستغير الصفقة من أساسها وتجبر حماس على التفاوض والتنازل أكثر، لكن الذي حدث أن حماس وبقية الفصائل أثبتت تمكّنها من مواجهة العدو الصهيوني على كافة جبهات المعركة بما يلزمه من مواجهة، وكانت عملياتها مُتقنة ومُبتكرة، وتمكّن مجاهدوها من صيد الجنود الصهاينة عبر كمائن مُحكمة تكون نتيجتها مؤلمة على الجيش الصهيوني.
ولكن بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي الخطة الأمريكية أو الإسرائيلية في الأساس لم يتبين عن أي خطة يتحدث الرئيس الأمريكي، فالجانب الأمريكي يثبتها والجانب الصهيوني ينفيها، ولم تبدِ حماس رأيها وتريّثت حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الخطة، وحتى يستقر الرأي الصهيوني بعد تذبذبه وتقلّبه وتملّصه واضطرابه.
ولئن بدت الخطة التي أطلقها الرئيس الأمريكي إيجابية حسب قول حماس لكن ذلك لا يعني أنها قبلتها كما هي دون أي تعديلات، ولا يعني أن إسرائيل قد قبلتها لأنها تنفي أن تكون هي الخطة التي طرحتها، فينقصها الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تضيفها إن تمت هذه الصفقة، وبقي نتنياهو مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهو يماطل ويلعب على الحبلين، وسيختار في النهاية أي حبل يمكن أن يمسك به، إما حبل التطرف فيمضي في الحرب ويرفض الصفقة وهذا بالطبع سيكلّفه الكثير في قادم الأيام من عائلات الأسرى ومن المجتمع الدولي، وإما حبل المعارضة التي قدمت له الأمان السياسي إن هو تجرأ وقبِل الصفقة التي طرحها الوسطاء وقبِل بوقف تام لإطلاق النار، ومازال نتنياهو يناور ويماطل الجميع ويلعب على جميع الحبال لأنه يرى نفسه أنه فائز في كلّ الأحوال، فإن هو رَكَن لحليفيه في الحكومة ظلت الحكومة باقية رغم التعثرات المتتالية وإن هو رَكَن للمعارضة ستتفكك الحكومة ويبقى نتنياهو على رأس حكومة جديدة.
حماس لا ترضى أن تبقى خارج أسوار غزة
لكن عيب هذه الصفقة إن تمّت يتمثل في أنها لا تنصّ صراحة على من يمسك قطاع غزة إن حدث وقفٌ تامّ لإطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومن يقف على متابعة من يخرقه إن كان هناك اتفاقٌ، فإسرائيل تريد إنهاء دور حماس في قطاع غزة بأي ثمن، بل تريد القضاء عليها وهو ما لم يحصل خلال 8 أشهر ولن يحصل حتى لو بقي الغزاة سنوات، وحماس لا ترضى أن تبقى خارج أسوار غزة، فهي ترى
أن الفلسطينيين يساندونها في كل خطوة تخطوها رغم الآلام والأحزان، وتعلم أنهم سيقفون وراءها لأنها تمثل صمام أمان ضد محتل لا يلتزم بالسّلام ولا بمواثيق ولا بعهود وقد أثبت ذلك خلال هذه الحرب المجنونة والمسعورة التي أقدم عليها، فرُعب 7 أكتوبر لا يزال يراوده وسيبقى على طول الأزمان حسب ما يبدو.
لذلك فإن عُقدة من يُمسك غزة بعد الحرب، ستظل النقطة الفارقة والجوهرية في صفقة التبادل إن تمت بين الإسرائيليين وحماس، ويمكن أن تؤجج الصراع من جديد إن لم يتم حلُّها من البداية أيضا، ولا أظن أن حماس وغيرها من الفصائل تغفل عن مثل هذه النقطة الجوهرية في الخطة الحالية، بل ستعمل على إفهام المحتلين أن القطاع بيد الفلسطينيين وهم من يقررون من يمثلهم فلا المحتل ولا أمريكا التي تدعم المحتل له دور في تسيير قطاع غزة مستقبلا.