لا شك أنّ ما جرى في ملعب رادس أخيرا، يكشف أنّ القيم الرياضية لدينا تشكو من عدم النضج والسطحية والالتباس، وربما العجز عن تأسيس مسؤولية أخلاقية. لا تمت “الرياضة الحديثة” بصلة إلى ما جرى لأنها مؤشر قوي على المجتمع وتحولاته وثقافته ولا يقف الأمر عن هذا الحد فعنف الجماهير انعكاس لانحراف اجتماعي.
العقيد محسن بن عيسى
يعلم الكثير أنه من الممكن أن تكون الرياضة محفّزة للعنف، ويرى آخرون أنها أيضا وسيلة للوقاية منه. وعموما فالدراسات حول الظاهرة بينت منذ زمن أن غياب المعايير يفرز سلوكيات جانحة، وأن اختلال التماسك الاجتماعي يجعل بعض الفئات في قطيعة مع القواعد العامة. هكذا يعكس “عنف الملاعب” اليوم اختلال العلاقات بين الفرد أو مجموعة افراد والمجتمع.
لا زلت مقتنعا بأن ما جرى فيه مسؤولية تتحملها النوادي والسلطة معا فما حصل هو نوع من التسيب و هو امتداد للعنف الأسري الذي يؤثر على الأبناء فيتشبعون حقدا وكراهية يعبرون عنها عند الكبر بأشكال عدوانية مختلفة، وهو حلقةً موازية للعنف المدرسي الذي له دور خطير في نفوس الشباب، دور يترك لديهم رواسب يتم تفجيرها في أول فرصة تتاح لهم.
لا أريد الوقوف عند ظاهرة “الهوليقانز” التي بدأت في بريطانيا منذ 1960 وانتشرت لتصبح أوروبية وتفيد العنف البدني بين الجماهير ومع قوات الأمن، وإلحاق أضرار بالتجهيزات والممتلكات داخل وخارج الملاعب الرياضية، ولا عند جماعات “الأولترا” المتطرفة والتي ظهرت في إيطاليا منذ الستينات أيضا. فكلاهما لها خلفية وخصائص وتاريخ.
علينا أن نبحث في الواقع التونسي وفي حدودنا في الفراغ الاجتماعي الذي خلفته النوادي الرياضية. علينا أن نتعمق في نقاط الضعف على مستوى تنظيم القطاع وهيكلته وإدارته فضلا عن العلاقات بين الجمعيات، واللجان واللاعبين مع الجماهير. هناك حاجة لفهم تركيبة المشجعين فالتأطير الموجه على هذا المستوى يساعد على معالجة وتلطيف بعض السلوكيات الجانحة وغيابها يقود الى نتائج عكسية.
تتطلب المعالجة مقاربة على واجهة عريضة من الاختصاصات والأطراف المسؤولة التي من المفترض ان تتحمل مسؤولياتها على مستوى الوقاية والمراقبة وتطبيق القانون. ومن الخطأ في بلدنا الذي يواجه عدة تحديات أن نجعل من الرياضة صناعة مثل الغرب والجمعيات مؤسسات ربحية لها رأس مال ومداخيل على حساب القيم الرياضية.
ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.