أربعمائة مليون دينار تلهفها مؤسسة الإذاعة و التلفزة الوطنية من جيوب المواطن في غضون 12 سنة بحجة منافقة إسمها معلوم الإذاعة و التلفزة في فاتورة الكهرباء و الغاز، أي نعم، لا تندهشوا، أربعمائة مليون دينار و أكثر، على الأقل هذا ما كشفه تحقيق لموقع “الكتيبة” في 27 جانفي 2023. أين تذهب هذه المبالغ و لماذا يتواصل الاقتطاع و الحال أن هذه المؤسسة لا تقدم لا إنتاجا و لا إبداعا و لا إضافة مقبولة وهي تكتفي فقد ب”تجمير البايت” كما يقول المثل الشائع ؟ (الصورة : مبنى مؤسسة التلفزة الوطتية).
أحمد الحباسى
لماذا لا يتم التدقيق في حسابات مغارة على بابا و لماذا لا تشمل حملات السيد الرئيس ضد الفساد هذه المؤسسة التي تحدث الكثيرون من أبنائها أنفسهم عما وصلت إليه من فساد و ظلم و تكلس إضافة إلى تشغيلها لمئات الموظفين الزائدين على الحاجة و الذين يلهفون الملايين سنويا مقابل المرتبات و العلاوات و الامتيازات و آلاف لترات المازوت دون أن يكون لهم أي مردود يذكر فيشكر؟ لماذا لا يتعرض نوابنا إلى هذه المؤسسة و ما يحصل فيها و يطالبون بإنهاء الاقتطاع كوجه من العدالة الاجتماعية أو كنهب باسم القانون؟
هناك مؤسسات لا تطالها عين الرقابة و إرادة المحاسبة و قضاء إرجاع الحق إلى أصحابه فحملات مواجهة الفساد مخصصة أساسا ضد الحيتان الصغيرة و ضد بعض رجال الأعمال لأسباب لا نفهمها في أغلب الأحيان لكن هذه الحملات لا تطال طبعا لا مؤسسة الإذاعة و التلفزيون و لا مافيا الأدوية أو مافيا الدروس الخصوصية و لا مافيا الكتب المدرسية و لا مافيا النقل و لا مافيا الموانئ و المطارات.
لوبيات فساد و تواطؤ إداري
هناك لوبيات فساد و تواطؤ إداري و غياب إرادة سياسية و ضغوط و عمليات ترهيب لكل من يتعرض بالتلميح أو بالتصريح لمثل هذه الملفات التي جعلت من هذه المافيا دولة داخل الدولة.
اليوم ليست هناك دولة بالمعنى الكامل للكلمة بل هناك مؤسسات مشلولة مرتبكة و غير قادرة تماما على مواجهة الفساد الحقيقي المستشري في الدولة و كل ما يقال من شعارات مثل أن “فلوس الشعب لازم ترجع للشعب” هو خطاب يفنده الواقع و يثير استهزاء كبار المحتكرين و القائمين على كثير من أجهزة الدولة بما فيها الجهاز القضائي الذي وضعت عليه السلطة التنفيذية يدها دون نتيجة تذكر.
عبثا حاولنا لفت نظر أولى الأمر رجاء و أملا و من باب لعل و عسى يغير الله ما بقوم لكن لا شيء تغير حيث لا تزال سهام النزال موجهة سهامه نحو الجميع دون استثناء أو تنسيب فبفضلها تأكدنا أننا لسنا شعبا فيه الغث و السمين في كل الحالات بل نحن عدد من الرعاع و كمشة من المجرمين و قطاع الطرق و سارقي أموال الشعب (لا ندرى عن أي شعب نتحدث) و هنا يتوافق هذا الخطاب الشعبوي فى التوصيف مع خطاب الرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي الذي “سخسخ” أذنينا في قناة “الجزيرة” سيئة الذكر بكل العبارات الهابطة التي تضعنا في مرتبة أناس ردّ سجون كما يقول إخوتنا المصرين.
لقد قلنا تكرارا أن الغلاء و البطالة و الفساد و المخدرات و الآداءات و الدروس الخصوصية و ارتفاع كلفة الماء و الكهرباء و النقل و الأدوية قد باتت لا تطاق و أنه على السلطة أن تتقدم إلى الناس الغلابة بحل لكن الأمر و الحال لم يتغير بل أن “دولة المافيا” قد انتبهت إلى عجزالدولة المطبق فصارت الفاتق الناطق تتصرف في مصير شعب الرعاع كيفما يحلو لها دون حسيب أو رقيب.
خطاب العجز و الفعل الغائب
نحن لا نطالب السلطة بأي شيء مستحيل ففاقد الشيء لا يعطيه و خط سيرها إلى حد الآن يقول أننا سائرون في نفق مظلم بلا مكبح سرعة و لا فانوس إنارة و حتى لو ظهر أن هناك إرادة في تغيير نسق السرعة أو تغيير خط السير فإن ذلك لم يعد ينفع لأن المطلوب في الحقيقة هو تسلم الحكم من طرف من هم أقدر تسييرا و حنكة و فاعلية و لكن أين هم هؤلاء القادرين حيث أثبتت تجارب السنوات العشر الفارطة غيابهم من المشهد.
لا يمكن محاربة “دولة المافيا” بالشعارات و القفزات البهلوانية الخطابية و لا بالوعيد الذي لا يفيد، الدولة لا تدار بعقل الهواية و الحال أن العالم يعيش عصر الاحتراف في كل شيء.
نحن نعلم أننا نكاد نطلب المستحيل و يرتقى مطلبنا إلى مراتب الكفر و الردة فى نظر البعض لكننا نتوجه إلى الضمير الوطني و نذكره بضرورة حماية النظام الجمهوري و البناء الديمقراطي و مستقبل أبنائنا و أحفادنا.
كاتب و ناشط سياسي.