هل أن إصدار المرسوم 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 كان فعلا بغاية مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات أو كانت الغاية الفعلية و غير المعلنة منه إسكات كل صوت ناقد أو معارض في تونس؟ و هل كان هذا المرسوم ليمر لو كانت هناك محكمة دستورية ؟
بقلم أحمد الحباسي
إن صدور المرسوم 54 لم يكن معزولا عن سياق تاريخي و سياسي معين و هو يعنى في ما يعنى أن حرية التعبير بالنسبة لكل الأنظمة العربية هو حلم مستحيل حتى لو حدثت عشرون ثورة و مات ملايين الشهداء و من تسوّل له نفسه أن يلتجئ إلى حرية التعبير لمعارضة الحاكم أو المساس بخط سيره و منوال حكمه و لو بشقّ كلمة سيجد نفسه يلعن اليوم الذي تعلم فيه الكتابة و صدق أنه سيأتي يوم يستغل تلك المعرفة لممارسة ما يسمى في الدول المتقدمة بحرية التعبير.
اليوم تبيّن أن إيقاف من استعمل سلاح حرية التعبير ليس خطأ عابرا أو اجتهادا قضائيا خارجا عن السياق و أنه لا سبيل “للعب” أو العبث مع منطوق المرسوم 54.
نصيحة لوجه الله لكل من لم ينتبه أو يتغافل أو يتحدّى مقتضيات المرسوم 54 أو يحاول أن يستعمل شيئا من التلميح أو التصريح للقفز على نص هذا المرسوم أن يراجع نفسه و يستهدى بالله عساه يتجنب أمرا كان منتظرا و مقضيا و حينها لن ينفعه زعيق لفيف المحامين الذين فشلوا لحدّ الآن في الحصول على حكم مخفف أو سراح لمن تم القبض عليهم و هم يمارسون جريمة فضيعة أسمها حرية التعبير.
هل نكتفي بالحد الأدني من الحرية ؟
نصيحة لوجه الله أيضا لكل هؤلاء المحللين و الكرونيكورات و المنشطين أن يكتفوا عند تواجدهم بالمنابر الإعلامية بالحد الأدنى من التعبير أو الاكتفاء بالإيماء الخجول أو لغة براى عسى أن لا يلتقطهم مغناطيس النيابة العمومية الهمامة بمجرد خروجهم من استوديوهات هذه المنابر و يتم إخضاعهم كسابقيهم للسين و الجيم و كل ساعة و علمها و “اللي جاباتو ساقيه العصا ليه” على رأى المثل التونسي الشائع.
ربما أن ما لم يفهمه من وضعوا المرسوم 54 أنه إساءة مقصودة لحرية التعبير و مسّ فاضح من حرية المواطن في نقد حاكمه و من يمارس نقد الرئيس أو الوزير أو غيره من موظفي الدولة فهو لا يمارس هذا الأمر من باب السعي للإساءة أو التشهير البذيء أو لمجرد نية في تجاوز القانون حتى لو يكن هناك مرسوم تعسفي مثل المرسوم 54 أو غيره من المراسيم والقوانين و حين نتذكر ما يقدمه المنشط الأمريكي الساخر جوناتان ستيوارت الملقب بالموظف المزعج في البرنامج التلفزيوني الساخر “ذا دايلى شو” منذ عدة سنوات من مادة نقدية لاذعة و خارجة عن النص في بعض الأحيان – خاصة و أن نقده موجه للرئيس الأمريكي و لإدارته في مسائل حساسة جدا مثل التدخل العسكري الأمريكي في العراق و موقف الإدارة الأمريكية المساند لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين – فعلينا الانخراط في نوبات بكاء لا تنتهي على ما وصل إليه حال حرية التعبير في بلادنا.
الحق الدستوري في نقد الدولة و القائمين عليها
ربما يريد السيد الرئيس قيس سعيد الإصلاح أو تقويم بعض الأمور و لكن من الواضح أن سيادته لجأ إلى الطريقة و الخطاب الخطأ و لعله و للأسف يسيء الظن بكثير من المناضلين الذين يؤمنون بقيم الدولة و قداسة الراية الوطنية لكنهم يرفضون مهما قست يد القضاء أن يسلموا في حقهم الدستوري في نقد و مواجهة الفساد و محاربة كل من تسول له نفسه المسّ بهذا الوطن.
إن الجرأة الإعلامية التي تطبع مقالات النقد و تصريحات الناقدين ربما يراها الرئيس مبالغا فيها و مما لا يمكن تحمله من وجهة نظره و لكن ليعذرنا سيادته فالمثل السائد يقول يجب أن لا نطفيء الشموع حتى لا نلعن الظلام و لعل تقييد حرية التعبير مهما كانت المبررات يجعل الناس يعودون بالذاكرة إلى زمن ماض تم فيه تكبيل حرية الإعلام وفرض مناخ عام من الخوف إلى حين ضاقت صدور الشرفاء لتحصل الثورة و يتم التعبير عن مطالب الكرامة الوطنية وحرية التعبير ركيزة من ركائز كرامة الإنسان التونسي الطامح لفك أسره.
لنقلها بمنتهى الصراحة: لن تكون هناك صكوك براءة لأي كان و لن يخضع أصحاب الرأي لأي ضغوط أو تهديد و كلما ارتفعت وتيرة الإيقافات زادت حدة الانتقادات وبالنهاية لم يسجل التاريخ هزيمة الشعوب أبدا.
كاتب و ناشط سياسي.