قطاع غزة يتعرض لأسوأ مجاعة يكتبها التاريخ، بعد أن حاصره العدوّ بحرًا وجوًّا وبرًّا، وبعد أن أوقف جميع المساعدات ومنعها من الدخول إلى غزة عبر المنافذ، وبعد أن وافق الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على سياسة إسرائيل التجويعية وإسهامها في ترويع الآمنين الفلسطينيين.
فوزي بن يونس بن حديد
ويلٌ للعرب الذين تقاعسوا عن أداء الواجب، وويلٌ للمسلمين الذين تخلّفوا عن مناصرة إخوانهم الجائعين في غزة، وويلٌ لمن كان قادرا على المساعدة ولم يفعل بقصد لو بدون قصد، صورٌ ومقاطع تمرّ علينا كل يوم لأطفال كانوا أحياء فصاروا في عداد الموتى بتأثير الجوع، السلاح الذي اتبعه المغضوب عليهم في مواجهة صمود الغزّاويين الأبطال الشجعان، قالوا لو نموت جوعًا لا نسلم غزة لأعدائنا، وقالوا سنبقى أحرارًا ولن نُذلّ أنفسنا للإسرائيليين المجرمين، وقال الطفل إننا أعزّاء على الدوام فلا نطلب من العرب والمسلمين شيئا سوى أن يكفّوا عن إيذائنا، ولينشروا معاناتنا قدر ما استطاعوا، فإن المسلم يناصر أخاه ولو بالكلمة الصادقة والصورة المؤثّرة، فرُبّ كلمة تبلغ الآفاق، ورُبّ كلمة تقصم العدوّ إلى شطرين دون سلاح.
لن نستسلم ننتصر أو نموت
الذي حدث أن قطاع غزة يتعرض لأسوأ مجاعة يكتبها التاريخ، بعد أن حاصره العدوّ بحرًا وجوًّا وبرًّا، وبعد أن أوقف جميع المساعدات ومنعها من الدخول إلى غزة عبر المنافذ، وبعد أن وافق الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على سياسة إسرائيل التجويعية وإسهامها في ترويع الآمنين الفلسطينيين، لإخضاع حماس وإجبارها على الاستسلام، لكن الظاهر أن حماس تبنّت مقولة المجاهد الليبي الكبير عمر المختار “لن نستسلم ننتصر أو نموت”، وهو الشعار السائد في غزّة الآن عند جميع العائلات الفلسطينية المنكوبة بعد أن يئست من تحرك العرب والمسلمين، وإجبار إسرائيل على فكّ الحصار وإدخال جميع المساعدات.
كلنا يتذكر حصار مكة من مشركي قريش وكفّارها على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكيف منعت عنهم قريش الطعام والغذاء والماء ولو وجدوا لمنعوا عنهم الهواء، ولكن في شدة الحصار وطُغمته تفكر العرب أن هذا الأمر ليس من شيمهم ولا من صفاتهم وهم الذين اشتهروا بالجود والكرم والشجاعة والعطاء، فعزموا على ترك هذا الأمر لما فيه من العنت الشديد غير المبرّر إطلاقا لأنه قتل ممنهج للنفس البشرية وترجعوا عن هذه المهمة الوقحة والبشعة في حق الإنسان، فكيف اليوم لا يتحرك المسلمون لإنقاذ إخوانهم وهم على الدين سواء، وهم المطالبون بنصرة إخوانهم الضعفاء، إنها لنكبة ونكسة كبرى لا مثيل لها في التاريخ.
ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتفق الكفار في الصحيفة التي كتبوها على حصارهم اجتماعيًّا بألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعون منهم، ومنع الزواج من بناتهم ومنع تزويجهم إذا خطبوا إليهم، وحصارهم اقتصاديًّا بمنع البيع لهم أو الشراء منهم ولذلك عاشوا في ضيق شديد حتى قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، سمعت قعقعة تحت البول فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثا، وإنها لمكرمة لهؤلاء الأبطال الذين تحملوا من أجل عقيدتهم ومن أجل الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أحرار العالم يرفضون سياسة بني صهيون
فالجوع سلاحٌ حادٌّ لا يعرف حدّتَه إلا من ذاقه، فإما أن يستسلم الصّامد للعدو ويخسر صموده، وإما أن يصمد ويربح المعركة بفضل الله تعالى عليه بإرسال جنوده أو بتنازل العدوّ نفسه عن ما كان يقوم به لوخز الضمير، فقد رأينا بعض الكفار من بني هاشم وبني المطلب أيام حصار الرسول صلى الله عليه وسلم قد تضامنوا مع بني قومهم ونقضوا الصحيفة وما فيها أمثال أبي جهل هشام بن عمرو وزهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وزمعة بن الأسود حيث ظهرت على شيمهم النخوة ورفضوا الظلم، وقد رأينا في زماننا أيضا أحرار العالم من اليهود والنصارى من يقول الحق ويرفض سياسة بني صهيون في غزة.
والجوع آخر سلاح تستعمله إسرائيل في الحرب على غزة بعد فشلها في إجبار حماس على الاستسلام والخضوع، وتحقيق جميع الأهداف التي رسمتها من أول يوم، وتظن أنها قادرة على هزيمة شعب آمنَ بقضيّته وتشبّع بإيمانه ورفض الخنوع لعدوّه حتى وهو في أحلك ظروفه.
يا للعار، وبئسًا لملياري مسلم لا يستطيعون إيقاف ما يحصل في غزة من سياسة التدمير الممنهج وإخضاع شعب بأكمله لسلاح فتّاك يفتك بالصغير والكبير والرجل والمرأة، وهم قادرون على إنقاذهم ولكنهم لا يريدون، وقادرون على تأديب إسرائيل ولكنهم متقاعسون، فوالله إنهم لمحاسبون فردًا فردًا أمام الله العظيم، وإنهم لمعذّبون عذابا أليما عن كل تأخير يضر بهم، أما المجرمون فلهم موعد خاصّ مع الله تعالى لا يُخلف وعيده لهم بالهزيمة النكراء، ولا يُخلف وعده للمجاهدين الأبطال بالنصر المبين بإذن الله.