في التدوينة التالية التي نشرها على صفحته الفايسوك تحت عنوان “من متاهات اللغة و الأدب” يستحضر الماتب و الشاعر الطاهر البكري لقاء قديما كان له مع الناقد و الجامعي توفيق بكار (1927 – 2017) الذي قدم له الجامعي و القصاص محمد رشاد الحمزاوي (1943 – 2018) خلال لقاء أدبي في الحي اللاتيني بباريس.
الطاهر البكري
سنة 1988و نحن في إحدى مقاهي الحيّ اللاتيني نتجاذب أطراف الحديث، يقول لي الصديق الأستاذ توفيق بكّار و هو يتلذذ كعادته سيجارته في دخان كثيف بكلامه اللطيف و لهجة الحاضرة المتحضّرة، طاهر، انت تعرف سي رشاد الحمزاوي ؟ قلت نعم، قرأت روايته “بُودودة مات” و قصصه “تعيش و تربي الرّيش” و أضفت، حضرت، و لم اكن من طلاّبه، خلسة، درسا له في علم اللغة و المعجمية و ذكرت كيف كان جالسا أمام مكتبه يلقي درسه وهو يتصفح كرّاسا يدرّ علما و مراجع و نظريات.
قال سي توفيق : سي رشاد موجود في باريس و له مخطوط رواية جديدة و يبحث عن ناشر، هل يمكنك ان تساعده في ذلك ؟ قلت، هل هي مترجمة؟ قال لا، قلت : من الصّعب ان تنشر بالعربية هنا و لكن لا بأس من المحاولة. لا أعرف غير دار لارمتان يمكنها النشر بالعربية. قال سي توفيق: لا يهم، المهمّ بالنسبة لسي رشاد هو ان تنشر روايته بأيّة حال. قلت: و لماذا لا يكون ذلك في تونس؟ قال بعد صمت: يطول الحديث في ذلك. و أضاف: نلتقي ثلاثتنا غدا و تتحدثان معا في هذا وذاك.
من الغد قدم سي رشاد بقامته البدوية الفارعة و سمرته المشمسة. قمت للرجل و حييته قال: شكرا سي الطاهر، قلت المعذرة نذهب غدا معا إلى صاحب دار النشر و أقدّمك له و ساحاول إقناعه بنشر روايتك بالعربية و رأي سي توفيق في ذلك هامّ.
كنت أجهل أنه يدرّس في الخليج و شاء ان يروي بعضا من حياته هناك، قال: لا تتصوّر سي الطاهر كم الحياة هناك تختلف عن حياتنا في تونس، قال هل تتصور؟ مرة كنت أدرّس و أحاضر وكان الجوّ حارا و كنت ألبس قميصا ذا نصف ذراع فعيب عليّ ذلك من طرف الإدارة و اعتبروه مسّا بالأخلاق. أضاف : هذا من بين الأمثلة العديدة . قلت كيف تتحملّ ذلك؟ سكت و بقي صامتا و أحسست أنّ عند الرجل رغبة في الصمت.
صدرت رواية “سفر و هذر” سنة 1998 و لست واثقا من انها اخذت حقها وحظها من الإطلاع في تونس و ربما جهلها الكثيرون، في حين أن شخصيّاتها امتداد ل”بودودة مات” و “تعيش و تربي الريش”.
للأدب التونسي مسارات وخفايا ونوادر و أزمنة و لقاءات و أبحاث مضيئة و اخرى مضنية و لكنّ العزائم المقتنعة بقيمته تدافع عنهو تذود عنه دون تخادل و تزرع في سطور حقوله ما يغذي الذات و الهوية الفردية و الجماعية عن قرب أو بعد. و لا أدب بدون أدباء دأبوا على كتابة واقعهم نقدا و رايا و حبا.