رغم الخسائر الكبيرة والفادحة التي لحقت بجيشه في حربه على قطاع غزة خاصة في الفترة الأخيرة في حي الشجاعية وعلى محوري نتساريم وفيلادلفيا و رفح إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما زال يصرّ على مواصلة الحرب حتى تحقيق جميع الأهداف العسكرية التي رسمها في البداية وهي القضاء على قدرات حماس العسكرية وإزالتها من السلطة وتدمير الأنفاق وتحرير المختطفين من أيدي المقاومين الفلسطينيين.
فوزي بن يونس بن حديد
ومع مرور تسعة أشهر من القتال العنيف، والقصف الوحشي على جميع مناطق غزة من جباليا وبيت لاهيا إلى وسط غزة وجنوبها وخاصة مدينة رفح بعد أن تلقت خان يونس ضربات موجعة، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه عاجزا عن تحقيق هذه الأهداف، وكان في كل مرّة يُخبر القادة السياسيين أن القضاء على حماس لم يعد هدفا قائمًا إلا أن الكتلة السياسية لم تُعر هذا التنبيه اهتمامًا وواصلت تعنّتها ومطالبتها الجنود بمواصلة القتال إلى أن تتحقّق جميع الأهداف.
وعندما وجد القادة العسكريون أنفسهم أنهم يقاتلون أشخاصًا ذوي بأس شديد، قالوا إننا نقاتل أشباحًا ولا نقاتل بشرًا، لا يدرون من أين يأتونهم ويخرجون من تحت الأرض ثم يلقون القنابل والقذائف ويبدعون في إحكام الكمائن ويصنعون الحشوات والعبوات الناسفة في كل مكان، وعندما يتهيأ للجنود ويحسبون أن المنطقة أصبحت محاصرة بالكامل ولا مفر للمقاومين منها وأنهم قد وقعوا في شباكهم تظهر أمامهم مُعطيات جديدة وأفكار لم تخطر على بال العدوّ فيتفاجأون بأنهم هم مَنْ وقع في الفخ، وعليهم تحمّل العواقب الأليمة والصعبة.
الجيش الإسرائيلي في وحل كبير
من هنا ندرك أن الجيش الإسرائيلي بدا مرهَقا للغاية، بل فقد التركيز تماما حينما يصب جام غضبه على المدنيين الأبرياء ويقصف مساكنهم وهم نائمون أو يحسبون أنهم آمنون، ويتفاخر أمام العالم بأنه فعل ذلك بدعم أمريكي وعالمي، بل إنه يمنح الأطراف المنادية بإنهاء الحرب تأكيدا على أن إسرائيل قد غالت فعلا في قصف غزة وكان هدفها الانتقام والثأر لما حصل لها في السابع من أكتوبر الماضي وما بعد السابع من أكتوبر حيث وقع الجيش الإسرائيلي في وحل كبير يصعب عليه الخروج منه بسلام، وهو اليوم أمام معضلة كبيرة لا يدري ما السبيل إلى إقناع الإسرائيليين بأن هذا الجيش هو أفضل الجيوش العسكرية وأقواها في المنطقة.
وعلى هذا يصرّ نتنياهو على مواصلة الحرب على قطاع غزة، لأنه لم يقتنع بأداء جيشه خلال المدة الماضية بل مُني بخسائر كبيرة وفادحة في الأرواح والعتاد مما أجبر الجيش على طلب تجنيد مجموعة كبيرة من الإسرائيليين في الفترة القادمة واستدعائهم للانخراط في العملية العسكرية في غزة الأبية، وبقي حائرًا لا يدري ماذا يفعل، فإن هو نقدَ الجيش تعرّض لانتقادات لاذعة من داخل رئاسة الأركان والقادة العسكريين وحتى من السياسيين وعامة الشعب الإسرائيلي وإن سكت فإنه يجب عليه أن يتحمل هذه الخسائر التي تتالت على جيشه في الفترة الأخيرة عندما صعّدت المقاومة الفلسطينية من قتالها وجدّدت خططها العسكرية وكثّفت هجماتها.
ولعل أهمّ سبب جعل نتنياهو يصرّ على مواصلة الحرب رغم تكلفتها الباهظة هو الحفاظ على مكانه السياسي بقطع النظر عن ما يحققه العسكريون على الأرض، والنتائج المخيّبة لآمال الإسرائيليين إلى حدّ الآن من وراء هذه الحرب المدمرة، فلا هو قضى على حماس ولا استطاع تدمير الأنفاق ولا حرّر المختطفين الذين هم ما زالوا في قبضة المقاومة رغم المحاولة الماضية في مخيّم النصيرات.
وفي كل الأحوال بات الإسرائيليون شعبًا وسياسيين وعسكريين مقتنعين بأن نتنياهو يبحث عن مخرج للنأي بنفسه عن مسؤوليته التاريخية عن ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي ويماطل من أجل الحصول على صفقة تاريخية بين الطرفين تُنهي القتال وتمنح الفلسطينيين الفسحة الكافية لالتقاط أنفاسهم بعد أن ظلوا طوال تسعة أشهر يتنفّسون الرّصاص والدّمار والجوع والعطش والمرض.
نتنياهو يناور ويراوغ و يخاتل ليكسب الوقت
هو يماطل أملًا في أن يفوز حليفه وصديقه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم ويُنهي تململ الإدارة الأمريكية الحالية وخطواتها المضطربة والمتردّدة نحو إنهاء الحرب على غزة بعد أن هاجمها العالم والداخل الأمريكي بقوّة وانتقد دعمها الأعمى لإسرائيل دون اعتبار أدنى حقوق للشعب الفلسطيني الذي يئنّ تحت وطأة الحرب المستعرة والمجنونة.
وما دام لم يتلقّ نتنياهو صفعة قوية تُجبره فورا على القبول بهدنة أو صفقة، فهو سيظل يناور ويراوغ ويحاول أن يرضي فريقه المتطرف من ناحية ويكسب الوقت من ناحية ثانية، وأقصد بالضربة أن تقوم المقاومة الفلسطينية سواء من الخارج أو من الداخل بعمليات نوعية داخل تل أبيب وتهزّ أركانها وتُحدث دمارا هائلا في عمرانها وخسائر كبيرة في الأرواح، عندئذ سيُدرك نتنياهو معنى الهّدنة أو الصفقة لذلك هو خائف من فتح جبهة القتال مع حزب الله لأنه يعلم يقينا أنه لدى الحزب أسلحة لم تخطر على باله ولا على بال جيشه وأنه قادر على الوصول إلى قلب تل أبيب بل إلى ما بعد تل أبيب.