يبقى السؤال الذي يسيطر على أذهان الشعوب العربية والإسلامية على مدار الساعة، متى سيتحرك العرب والمسلمون في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة؟ ومتى سيُطلق الحاكم العربي والمسلم صرخته في وجه الظلم والطغيان الصهيوني بعد أن تتالت صرخات الحرائر وتوالت مطالب الرجال وتعددت أنّات الصغار؟
فوزي ين يونس بن حديد
الأوضاع الإنسانية في غزة في أبشع صورها، والنذالة الصّهيونية في أخزى مشاهدها، والهوان العربي والإسلامي في أذلّ لوحاته بعد أن تشرّب من معين الهزيمة النكراء في مشهد لم يشهد له التاريخ مثيلا، متى ستتحرك أشرعة جامعة الدول العربية التي تأسّست على لوحة القضية الفلسطينية في أول عهدها، حيث كان العرب في ذلك الوقت مازال في قلوبهم الحمية تجاه القضية الفلسطينية قولا وعملا ولكن الذي ظهر اليوم بدا وكأننا نعيش في عصر الجاهلية أو يحكمنا قانون الغاب، وكأنّ الحضارات لم تمر من هنا، ولم نعرف قيمة الإنسان ولم ندرس حقيقة البنيان الحضاري القائم على احترام النفس البشرية في حالتي السّلم والحرب.
ما نراه اليوم في غزة أبطل كلّ خطاب يدعو إلى الديمقراطية، وأفسد كل مناداة تدعو لاحترام حقوق الإنسان، وعرّى جميع المنظمات التي كانت تتشدّق بحق الإنسان في الحياة وحقّه في الوجود وحقّه في الحصول على حياة كريمة على أرضه، وإذا تعرّض لاعتداء فإن العالم كلّه يقف ضد الظلم والطغيان، فكانت حربُ غزة قد كشفت القناع الذي كان يرتديه المنادون بتحرير الإنسان من قيود العبودية والاستعمار، وبيّنت أن الدول الغربية دول استعمار بامتياز وما كانت تظهره للرأي العام العالمي وعلى القنوات وشاشات التلفاز من ندوات وحلقات واجتماعات سوى حلوى قشرتها شوكولاته مزيّنة وباطنها سمّ ناقع يحسبها العربي والمسلم أنها ستنعشه لكنها سرعان ما تُظهر له مرارة السم الذي يندسّ فيها.
الهوان والضعف والجبن والاستسلام
وظلت الشعوب العربية والمسلمة حائرة فيما يجري على الساحة العربية والإسلامية، وتتساءل لماذا سكت الزعماء العرب والمسلمون الذين كانوا يظهرون دوما على الشاشات والقنوات يلهمون الشعوب بالخطابات الرنانة وأنهم قادرون على القيادة والتغيير وصدّ العدوان، وما اختبار غزة إلا دليل على هذا الضعف والهوان فكم تعرض القدس الشريف لأذى ولكنهم وقفوا
عند التنديد والمطالبات رغم أن الذي حدث في غزة أمرٌ يفوق الخيال في النذالة والبشاعة والشدّة التي مارستها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وبقي الهوان والضعف والجبن والاستسلام هو العنوان.
غير أنه هكذا كان اليهود والغرب يخطّطون لهذا اليوم الأليم، حيث نرى شعبنا في فلسطين يُباد، ولا نستطيع أن نفعل شيئا، نحترق من الداخل ونبقى عاجزين خارج أنفسنا عن تقديم يد العون والنّصرة، ننتظر من يبدأ ويُشعل الشرارة مثل ما بدأت الثورات العربية من شرارة حرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس، ثم تطورت الأحداث شيئا فشيئا حتى هلكت بُلدان بأكملها تحت عنوان نشر الديمقراطية في البلدان العربية.
ها هم اليوم يدمرون غزة تحت عنوان محاربة إيران، وكانت الصهيونية والامبريالية الأمريكية والغربية قد خطّطت منذ زمن لقطع الأذرع الإيرانية في كل من لبنان وسوريا واليمن وفلسطين، وأرادت تدمير المقاومة في هذه البلدان، لكنهم اصطدموا بقوّة عجيبة في غزة لم يقدروا على تفكيكها، ومقاومة لا تُضاهى، وصلابة لا تلين، رغم ما أصاب الأمة في غزة من تدمير لا يطاق، وقصف عنيف متواصل ليلا ونهارا، ويبقى السؤال قائما على الدوام متى سيتحرك العرب والمسلمون بعد كل هذا؟
الصهيونية في خدمة الامبريالية الأمريكية والغربية
فعلا سؤالٌ محيّر وعجيب، ما الذي ينتظره العرب من نتنياهو حتى يستجيب، وهل فعلا تنشد أمريكا السلام، أم أنها تبحث عن مصالحها مع إسرائيل رغم ما يعلنه الإعلام من خلافات عميقة بين أمريكا وإسرائيل، ويبقى الدعم الأمريكي واجبا على الإدارة الأمريكية مهما اختلف الرؤساء وساكني البيت الأبيض أقصد الأسود سواء كان ديمقراطيًّا أم جمهوريًّا رغم السباب والشتائم بين المُرشّحين قبل الانتخابات الرئاسية.
إن الحرب القائمة اليوم هي حرب بين الإسلام والكفر، وهي معركة قائمة منذ أن بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحفر في هذه الأمة مكارم الأخلاق وبنى دولة قائمة على العدل والإنصاف، وحارب كل مظاهر الظلم والطغيان والإفساد، ووضع قوانين جاء بها من عند الرحمن الذي حدّ حدودا لا يتعداها إنسان، وجعل من سنّة هذه الحياة أن تبقى المعركة قائمة، والعزة كل العزة لمن تشرف باتباع سنّة المصطفى صلى الله وسلم، والذلّة كل الذلّة لكل من خالفه.
ولعل من أسباب الوهن والضعف الذي عليه نحن اليوم، تفرق العرب إلى شيع وأحزاب، فاستغلت أمريكا وإسرائيل الموقف لتنقضّ على كل دولة تراها فريسة خرجت عن الإجماع لتتولّى استدراجها نحو اتفاقية السلام مع إسرائيل أو ما يسمى اليوم بالتطبيع مع إسرائيل فوقعت في شباكها بعض الدول ووقّعت على اتفاق بالٍ لا يستمر ولا يبقى.