في البيان التالي الذي نشره أمس الإثنين 15 جويلية 2024 على صفحته الفايسبوك، الأميرال كمال العكروت، الضابط السامي السابق في الجيش الوطني و المستشار الأمني السابق للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، يقدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة المقررة دورتها الأولي ليوم 6 أكتوبر 2024، و يقدم الخطوط العريضة لبرنامجه أو مشروعه او بالأحرى الخطة الاستراتيجية “قرطاج 2050” حسب تعبيره من أجل “استعادة الأمل وبناء المستقبل”.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي وإخوتي، أبناء تونس الأحرار،
شعب تونس الكريم في كلّ مكان،
عرفت بلادنا في السّنوات الماضية تقلّبات عديدة، شهدنا خلالها لحظات فخر جعلتنا نرفع رؤوسنا بين الأمم، وعرفنا انتكاسات وأزمات بعثت الشّكّ في نفوس الكثيرين.
كلّ ما عشناه سويّاً من تجارب وخيبات أمل، لم يغيّر شيئاً في إيماننا بقدرة شعبنا على تطويع الصّعاب وتجاوز المحن، حتى يفتح لنفسه طريقاً جديداً نحو النهوض والرّقيّ. قوامه في ذلك وحدته وتماسكه، ووفاء أبنائه في تشبّثهم بوطنهم وإصرارهم على ألّا يتركوه لقمة سائغة في يد الطّامعين أو العابثين.
ولا شكّ في أنّنا نعيش اليوم واحدة من أكثر الفترات حساسيّة في تاريخ تونس الحديث، بما نراه من انحرافات وصدامات عبر الاستثمار في التّقسيم والتّأليب وتعالي خطاب الكراهية ومنسوب العنف، تضاف إليها أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة دون أن تلوح في الأفق أيّة بوادر انفراج، ممّا يجعلنا نستلهم من صرخَة زعيم شباب تونس علي البلهوان لنقول معه: “كفى عبثاً، إنّ البلاد مريضة وليس بشرب الماء تنطفئ الحمّى”.
لقد انعدم الأمن واستفحل الفساد واستتبّ الفقر، وتجرّع شعبنا الرّداءة بكلّ أشكالها على امتداد السّنين، وبدل أن يأتي الإصلاح المنشود، تفاقمت الأوضاع وضاقت الآفاق، وتدهورت سمعة تونس وتاهت ديبلوماسيتها، حتى يئس خيرة شبابنا وانقطع رجاؤهم من وطنهم فتركوه إمّا مهاجرين في أصقاع الأرض أو ملقين بأنفسهم في مجاهل البحر.
أخاطبكم اليوم ولست أمثّل شخصي المتواضع فحسب، بل نيابة عن مجموعة من الواعين بخطورة اللحظة، الواثقين في قدرتنا على تجاوزها والحالمين باستعادة الأمل وبناء المستقبل.
أُحدّثكم نيابة عن نساء تونس ورجالاها وخاصة شبابها من الباحثين عن استعادة قيم العمل والمساواة والنظام والسّاعين للتخفيف عن آلام الفقراء والمهمّشين.
كفى عبثاً فإنّ البلاد مريضة ولم تعد تحتمل، وليس بنسج المؤامرات والمعارك الوهمية أو بالحدّ من الحريات أو بزجّ أصحاب الفكر والرّأي في السّجون سيزول السُّقم.
بلادنا تحتاج إلى نفس جديد، تحتاج إلى من يرأب ما حُفر من شروخ وأحقاد ليعيد توحيدها من جديد، لتستجمع كلّ مواردنا الشّاردة وكفاءاتنا المهملة أو المُهجّرة وليحتكم إلى الحكمة والمنطق والإخلاص والصّدق في إدارة الشّأن العامّ. نحن في حاجة إلى مرحلة من العمل والبناء، بجدّية وبثقة، ويكفينا ما عشناه من رداءة وتحيّل سياسي.
أيّها التونسيون والتونسيات،
أضع بين أيديكم الخطوط العريضة من مشروع او بالأحرى من الخطة الاستراتيجية “قرطاج 2050” والتي تُجسد رؤية، وأتعهّد لكم إن حظيت بثقتكم:
أولاً، بتطبيق منصف للقانون يراعي الاصلاح واسترجاع الحقوق دون تشفي، قانون يُطبّق على الجميع ويحاسب كلّ من قام بأخطاء ضمن عدالة فوق كلّ الشبهات، من دون تلفيق او انتقاء أو تشفّ، بقضاء يتمّ إصلاحه لتحقيق استقلاليته بحقّ وتمكينه من الأدوات التي تجعله يتّعظ من أخطاء الماضي ويُقوّم نفسه إذا حاد عن الطريق السويّ.
ثانياً، بالقيام في ذات الحين بمصالحة اقتصادية وسياسيّة تْنهي جوّ الأحقاد وتساهم في تنقية الأجواء وتضع ضوابط لمستقبل العمل السّياسي في تونس حتى لا تعود المناصب الوطنيّة مطمعاً للمتسلّقين والانتهازيين والمغامرين وعديمي الكفاءة. سنعمل جديا على إصلاح المنظومة السّياسيّة بكل مكوناتها حتى يجد شباب تونس، مجالاً لممارسة الحكم واستلام المشعل وقيادة البلاد نحو مستقبل أفضل.
ثالثاً، بالاستثمار في اقتصاد المعرفة لما يُمثّله من قوة تنافسيّة من خلال منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة عالية، وتوفير فرص عمل جديدة وزيادة في الإنتاجية، وتحسين جودة الحياة، وتخفيف الضّغط على الموارد الطبيعيّة.
رابعاً، ببناء منظومة تعليمية قوية تستثمر في الانسان وتُركّز على مهارات التفكير النقديّ والإبداع وتُشجّع على التعلّم والتكوين المهني والتكوين المستمر.
خامساً، بتطوير البنية التحتية الرقمية وتوسيع شبكات الإنترنت ورقمنة الإدارة وتوفير خدمات التكنولوجيا المعلوماتية بشكل واسع للجميع.
سادساً، بإعانة الطبقات الضعيفة وتحسين قدرتها الشرائية من خلال تنظيم الأسعار ودعم دخل المواطن وبرامج دعم الإسكان وإعانات التعليم والصّحة وتحسين فرص العمل.
من المهم أن نذكر أن إعانة الطبقات الضعيفة وتحسين قدرتها الشرائية لا يجب أن تكون حلولًا مؤقتة، بل يجب أن تكون أيضا سياسات طويلة الأمد تستهدف التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وتضمن كرامة المعيشة لجميع المواطنين.
سابعاً، بالمحافظة على منتجي الثروة من رجال أعمال ومستثمرين ويكون ذلك من خلال خلق بيئة آمنة ومحفزة تُشجّعهم على الاستثمار والإبداع من خلال اعتماد تشريعات واضحة ومُيسّرة تُسهّل إجراءات الاستثمار وتضمن حقوق المستثمرين وتُحارب الفساد وتُضمن الشفافية في التعامل. ويكون ذلك أيضا من خلال دعم المشاريع الناشئة وتحسين البنية التحتية وتوفير خدمات النقل والطاقة والاتصالات، وبسياسة نقدية مستقرة تُحافظ على استقرار سعر صرف العملة التونسية إزاء العملات الصعبة ومنع التضخم والتقليل شيئا فشيئا من الهوة حتى يعود للدينار التونسي قيمته.
ثامناً، لقد تطرق مشروعنا الي تطوير الفلاحة باعتبارها من أولوياتنا حيث تضمن المشروع أيضا حلولا لمشكلة مياه الري واتلاف الأراضي الزراعية والغابات وتأثير العوامل المناخية والبيئية على القطاع.
تاسعاً، فيما يتعلق بإصلاح القطاع العام كالصحة سوف يتم تحديثه وإعادة هيكلته وتحويله الى قطاع يسدي خدمات محترمة للمواطن ومن مجال يُثقل ميزانية الدولة الى مورد ربح واستيعاب للبطالة.
عاشراً، العمل على صياغة نظام جبائي منصف ، يقلص من الضغط ويسعى الى توسيع الصحن الجبائي وإدماج شرائح واسعة تعمل في السوق الموازية ، وتوفير الأليات اللازمة لها للدخول في الدورة الاقتصادية وتكون خاضعة للاداء وهو ما يمكن البلاد من عائدات جبائية مهدورة.
ستعهد المرحلة القادمة لأصحاب الكفاءات من أبناء وبنات تونس المتميّزين، الذين سيعملون على تنفيذ برنامج أُعدّ لإنقاذ تونس من مآزقها الاقتصادية والاجتماعية المركّبة وإعادة اشعاعها بين الدول، ولهم من القدرة والمعرفة ما سيسمح بتحقيق نجاحات سريعة تعيد الأمل الى القلوب، وتعيد تعبئة كامل موارد الوطن في سبيل إعادة بناء ما تهدّم، والمضي قدماً في تلافي الزمن الضائع. وسيكون الباب مفتوحاً دائماً لاستيعاب كل كفاءة تخدم البلاد، ما دام في الأمر مصلحة تونس، حتى يعود الذكاء التونسي أهمّ ثرواتنا الوطنيّة وزينة ما نفتخر به.
أعوّل على دعمكم، وأهيب بكم أن تنظمّوا الى مسيرة عمادها الوحدة والإصلاح والبناء.
“وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”
صدق الله العظيم