لماذا لا يتم حل حركة النهضة و تصنيفها منظمة إرهابية ؟

 بقلم أحمد الحباسي

من الواضح و لنقلها من البداية أن السلطة الحالية تجد حرجا كبيرا في التعامل مع ملف حركة النهضة الإخوانية و كيفية محاسبتها و هل يجب التسريع بمحاسبتها و حلها و تصنيفها منظمة إرهابية وصولا إلى تجريم التعامل أو الإشادة بها و من الواضح أيضا أن السلطة التي تعاني من ارتباك في كيفية إدارة أمور الدولة بالشكل الأدنى المطلوب من الرضانة و العقلانية بدليل هذا الكم الهائل من الإقالات لكبار المسؤولين في معظم الوزارات والمؤسسات بحيث باتت عاجزة على توفير أبسط أنواع المؤونة اليومية مثل الزيت والشاي و السكر قد وجدت نفسها غير قادرة على ملء الفراغ الذي تركته حركة النهضة منذ إعلان سقوطها ليلة بيان 25 جويلية 2021  على مستوى ما كانت تقدمه من خدمات اجتماعية مختلفة و متعددة المصادر.

من الواضح أخيرا أن هناك ضغوطا عربية و دولية لمنع التداول بأي شكل في ملف الحركة و محاسبتها و تصنيفها منظمة إرهابية ذلك أن لحركة الإخوان المسلمين و حركة النهضة فرع منها لوبيات ضاغطة تجعل من الصعب على هذه السلطة المسّ منها أو ترك مهمة محاسبتها بعمق للقضاء.

لقد أسست حركة النهضة مشاريعها و مخططاتها الاجتماعية و الخدمية كلها لغاية مخفية وحيدة لا خلاف فيها  تتمثل بالاستقطاب و التجنيد و لذلك عملت الحركة دائما على أن يكون دعمها الخدماتي الخيري موجها لكل من يدين لها بالولاء و مستعد للتضحية بنفسه في سبيل تحقيق أهداف الحركة للوصول للسلطة و ضرب الاستقرار و تقسيم المجتمع.

تغييب الدولة و تعويض مؤسساتها

لقد كان لغياب الدولة و عدم اهتمامها بالفئات الضعيفة الهشة أن حلّت حركة النهضة كبديل فاعل و نشط لتقديم الدعم و الخدمات  و إنشاء ما يسمى بالمدارس القرآنية التي تحولت إلى بؤر لتفريخ الإرهاب و غسل  العقول و توفير الأرضية الملائمة لمفهوم جديد اسمه “الجهاد” و “نصرة المسلمين” كما اتضحت غايات الحركة مع الوقت خاصة بعد أن سعى الكثيرون إلى كشف أمرها و إثبات أن علاقتها بالناس تقوم فقط على مقايضة المال أو المساعدات بالولاء.

إن هذه الأنشطة المتمثلة في شبكة المؤسسات الصحية و الاجتماعية التي تقدم خدماتها مجانا فى الأحياء الفقيرة مثل حي التضامن قد أسهمت في توسيع قاعدة التأييد السياسي لحركة النهضة كما كانت مصدر استقطاب لكل الذين وجهتهم الحركة للقيام بأعمال إرهابية ضد المؤسستين الأمنية و العسكرية.

ربما ظن نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة و نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي أنهما بلغا من التمكن و القوة ما يجعلهما قادرين على وأد خطر حركة الاتجاه الإسلامي التي تحولت فيما بعد إلى حركة النهضة  لكن في الحقيقة و الواقع فقد تمكنت الحركة من أن تحقق نمطا غير مسبوق من أنماط الشرعية يمكن تسميتها بالشرعية المجتمعية أو الشرعية الخدمية تطورت مع الوقت و مع سقوط نظام بن علي إلى شرعية انتخابية مكنتها من الوصول لأول مرة في تاريخ الإخوان المسلمين بصورة عامة  إلى سدة الحكم و من إطلاق حلمها بإقامة دولة الخلافة  مجددا.

ربما لم يعد لحركة النهضة الآن نفس الزخم “الخيري” و لم تعد هناك مليارات قطرية تركية بالأساس تتدفق في الحقائب الدبلوماسية لتمر في أمان عبر المطارات و تحت إشراف بعض الكوادر الأمنية  مثل السيد عبد الكريم العبيدي رئيس فرقة حماية الطائرات سابقا التي كانت تنشط في إطار ما عرف بالأمن الموازي الذي بعثه وزير الداخلية السابق على العريض  لكن الولاء  لا يزال موجودا مصحوبا بحنين واضح لدى الكثيرين من الذين تعودوا على تلك الخدمات.

هل دقت ساعة الحساب

مع إعلان الرئيس قيس سعيد ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة فإن هناك من يعتقد بأن الرجل سيعلن بمناسبة الاحتفالات بعيد الجمهورية يوم 25 جويلية عن حلّ حركة النهضة و تصنيفها تنظيما إرهابيا و منع قياداتها من ممارسة الحياة السياسية لفترة لا تقل عن الخمسة سنوات القادمة بالإضافة إلى اتخاذه جملة من القرارات مثل مصادرة كل ممتلكات هذه الحركة الإرهابية و محاكمة قياداتها عن كل الجرائم التي ارتكبتها منذ قيامها إلى الآن إضافة إلى تخابرها مع جهات أجنبية متآمرة و تجريم الإشادة بها و بقياداتها باعتبارها تنظيما إرهابيا مع وضع قوائم لإبراز الملاحقين الفارين من قياداتها خارج البلاد.  

في الحقيقة من الصعب  بل من المستحيل أن يلجأ الرئيس قيس سعيد إلى هذا الخيار خاصة أن الانتخابات الرئاسية التي يعول عليها لاستكمال خطته في السيطرة على مقاليد الحكم  تدور في أجواء ملبدة و في مناخ من المد و الجذب  السياسي و هو يدرك أن الحركة لا تزال قادرة على صنع فتيل أكثر من أزمة و خلق أكثر من حالة إرباك لمفاصل القوى الأمنية التي تعانى من تشتت الأهداف  و تنوع الأخطار المكلفة بالتصدي لها.

هل دقت ساعة الحساب و اقترب الموعد و بات الحسم في ملف حركة النهضة منتظرا؟ هل أصبح ما تمثله الحركة من خطر مستمر و داهم و متشعب في حكم المنتهى نظريا على الأقل؟ هل سيتخذ الرئيس خطوات حاسمة لا رجعة فيها بعد أن فشلت كل محاولات الأستاذة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر لتمرير قانون محاسبة الحركة في عهد ما يسمى بمجلس نواب حركة النهضة برئاسة الشيخ راشد الغنوشي خاصة و أن بعض الأصوات المشبوهة مثل السيد غازي الشواشي القيادي في التيار الديمقراطي لم تخجل حينها من نعت تلك المبادرة بكونها لائحة فاشية استئصاليه الغاية منها بث الفتنة و تعطيل المسار “الديمقراطي”.

هل سيستغل الرئيس ارتباك الرئاسة الأمريكية في هذه الفترة الانتخابية الحامية الوطيس للتخلص من حركة يعتبرها كل الأحرار و المناضلين ورما خبيثا يتعين استئصاله حتى تتعافى البلاد من عدة كوابيس و تستعيد بعضا من نظارتها بعد أن أحرقت قيادة الحركة كل أخضر و يابس و شوهت سمعة الإسلام و اغتالت الشهداء و عبثت بخيرات البلاد دون حسيب أو رقيب.

كاتب و ناشط سياسي.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.