أوضاع الشعب تنهار والدكتاتورية لا تبالي
يمرّ اليوم 67 عاما على إعلان الجمهورية على أنقاض نظام البايات البائد الذي ألغي رسميا لكن النظام السياسي الذي عوّضه إلى حدود ثورة شعبنا في 17ديسمبر/14جانفي كان نظاما لا يختلف جوهريا عن الملكية المستبدة والعميلة والفاسدة في عهدي حكم حزب الدستور مع بورقيبة وبن علي، إذ لم تتجاوز الجمهورية الشكليات فيما قام النظام على حكم فردي مطلق حرم الشعب من حقوقه الأساسية ومن المشاركة في الحياة العام وممارسة سيادته بكل حرية. وتمرّ أيضا اليوم الذكرى الثالثة للانقلاب الشعبوي اليميني المتطرّف الذي ما انفك يعمل على إلغاء المكاسب الدنيا التي افتكها الشعب بتضحياته والتي تهمّ أساسا شكل السلطة أو النظام السياسي الذي عاد اليوم إلى ما كان عليه منذ 1957 إلى مطلع 2011.
إن انقلاب قيس سعيد لم يكن الهدف منه “تصحيح” انحرافات منظومة حكم ما بعد 14جانفي 2011 كما يدّعي، بل الاستيلاء بالكامل على السلطة والانفراد بها والسير رأسا وأساسا نحو ضرب مكسب الحريات الذي يتعرّض اليوم للتصفية الممنهجة، مع مواصلة تطبيق نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية اللاوطنية واللاشعبية التي لم تجلب لشعبنا سوى مزيد الفقر والبؤس والتخلف ولم تجلب لبلادنا سوى مزيد التبعية. تأتي هذه الذكرى والشعبوية الحاكمة تستعد لتنظيم مهزلة انتخابية لاستكمال مخطط وضع اليد على مفاصل القرار بعد بعث الهياكل الصورية على أساس دستور الاستبداد والحكم الفردي المطلق المفروض منذ 2022. يتمّ الاستعداد لهذا الموعد وأوضاع البلاد والشعب تزداد تراجعا على كل المستويات سواء ما تعلق بالمعيشة التي تعرف ذروة التأزم هذه الأيام بتعطيش الشعب بعد تجويعه وتفقيره، فأغلب جهات البلاد تعرف الانقطاع المستمر والمتقطع لمياه الشرب، وكثيرا ما يتزامن ذلك مع انقطاع الكهرباء في ظروف مناخية قاسية، فيما تعرف أسعار المواد الأساسية والخدمات انفلاتا غير مسبوق بما حول حياة التونسيات والتونسيين إلى جحيم فعلي.
وفي الوقت الذي تغالط فيه الشعبوية شعبنا حول المديونية والعلاقة مع مؤسسات النهب الدولية، يواصل برلمان الدمى التصديق على القروض والديون والاتفاقيات المالية والاقتصادية المنافية لكل مظاهر السيادة الوطنية. ويتزامن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع تصاعد الهجوم الممنهج على الحريات، فبعد الإيقافات التي طالت سياسيين وإعلاميين ومحامين ومدونين على مدى العام ونصف الماضيين، صدرت مؤخرا أحكام سجنية على خلفية التعبير عن الرأي وطالت زاكي الرحموني وسامي بن سلامة عضوي هيئة الانتخابات السابقين، كما طالت المناضلة أمال علوي بسبب نشاطها ضد الفساد، واستهدفت الإيقافات والمضايقات نشطاء سياسيين وقيادات أحزاب بمن فيهم مرشحون للانتخابات مثل لطفي المرايحي وعبد اللطيف المكي، الأول بحرمانه من الترشح مدى الحياة والثاني بحرمانه من أيّ حركة في الفضاء العام. فيما تمعن هيئة بوعسكر المعينة في حرمان المترشحين الموقوفين من سحب بطاقة التزكية وبالتالي ضرب حقهم كمواطنين في التمتع بحقوقهم السياسية والمدنية إضافة إلى كل أشكال الانتهاك الأخرى التي تطالهم بمعية بقية سجناء الرأي والسجناء السياسيين. يتظافر ذلك مع تصاعد مظاهر التكميم والتدجين للإعلام والتهديد من السلطة وأذنابها وهيئة بوعسكر لكل معارض أو منتقد للمهزلة الانتخابية ومجمل مسارها.
إن حزب العمال، إذ يذكر بموقفه أنه لا جمهورية حقيقية دون ديمقراطية سياسية واجتماعية وأن الجمهورية كنظام هي قطع مع الاستبداد والحكم الفردي المطلق، وإذ يعتبر ما يجري في بلادنا نسفا وإلغاء لكل الشروط الأساسية للجمهورية حتى في شكلها الليبرالي البسيط وللديمقراطية السياسية والاجتماعية في حدّها الأدنى، فإنه:
- يؤكد أن مجمل هذه المعطيات تعمّق وجاهة موقفنا الداعي لمقاطعة المهزلة الانتخابية مقاطعة نشيطة وعدم التورط في إعطائها أي مشروعية والعمل على عزل سلطة الانقلاب.
- يطالب بـ:
- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والإعلاميين والمحامين والمدونين والمواطنين ضحايا المرسوم 54 ووضع حدّ للتتبّعات ضدّهم وضدّ غيرهم من الملاحقين داخل البلاد وخارجها وضمان شروط المحاكمة العادلة لكلّ من يثبت حقّا ارتباكه أيّ جرم على حساب الوطن والشعب بعيدا عن محاكمات تصفية الحسابات.
- إلغاء المرسوم 54 الفاشي ورفع اليد عن حرية الإعلام.
- رفع المظالم عن القضاة المعفيين الذين برأتهم المحكمة الإدارية واحترام استقلالية القضاء وإلغاء المرسوم 35 البغيض.
- احترام حرية العمل النقابي واستقلاليته وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع النقابات.
- يجدد مساندته المبدئية لنضال أبناء شعبنا وبناته في عديد الجهات ضد العطش والجوع ومن أجل الحق في الحياة الكريمة.
- يدين دور هيئة بوعسكر التي تحوّلت إلى أداة قمع وتدجين خدمة للاستبداد والدكتاتورية ونسف أسس السيادة الشعبية.
- كما يدين توظيف مقدرات الدولة من قبل قيس سعيد باعتباره مترشحا للانتخابات بما يعطي دليلا إضافيا على طبيعة السلطة القائمة وعلى غياب الشروط الأساسية لعملية انتخابية ذات مصداقية.
- يجدد دعوته للشعب التونسي وقواه التقدمية من أجل توحيد الجهود للنضال من أجل الجمهورية الديمقراطية الشعبية باعتبارها الإطار الأفضل لتحرر شعبنا وانعتاقه الفعلي والحقيقي على أنقاض الاستبداد والدكتاتورية بكل أقنعتها وكذلك الديمقراطية الليبرالية التي يحكمها المال الفاسد خدمة لمصالح الأقلية المحلية والأجنبية التي تنهب البلاد وتستغل الشغب. المكرسة للتبعية والاستغلال.
حزب العمال
تونس، في 25 جويلية 2024