و نحن نحتفل بالذكري 67 لعيد الجمهورية سؤال يطرح نفسه بألحاح : إلى متى سيظل الشعب التونسي يخفض من سقف أحلامه و تطلعاته قيختزلها في الخبز و الماء و يتخلى عن الحرية و الديمقراطية و التقدم الاقتصادي و الاجتماعي مثل بقية الشعوب المتقدمة ؟ (الصورة : حميد الدين بوعلي).
إلياس القصري
اتهموا المرحوم الحبيب بورقيبة بالعمالة والخيانة ثمً صرخوا من أعماق جوارحهم “خبز و ماء و بن علي لا”، فبان إثر ما سمي بقسط لا بأس به من المبالغة و مجانبة للواقع بثورة الحرية والكرامة الوطنية، معسكر الانتهازية و العمالة والحنين للاستعمار والإيالة وانتقل الماء و الخبز من مجال الأساسيات الحياتية إلى الكماليات لمن استطاع إليها سبيلا.
حتى الأعياد الوطنية التي تحتفل فيها سائر شعوب العالم بمحطات تاريخها و تتطلع الى غد أفضل، فقدت بريقها في تونس وكأننا بإرادة خفية لطمس الماضي و محو الذاكرة مع غياب إجماع وطني حول بديل يضمن اللحمة الوطنية والالتفاف الجماعي حول مشروع مستقبلي يضمن الصيرورة و الرقي و الازدهار و المناعة و السيادة الوطنية.
كان الشعب التونسي يطمح منذ الثمانينات الى التغيير فكانت تجربة المرحوم زين العابدين بن علي الذي أطلق البرامج الإصلاحية مع المؤسسات المالية الدولية ثم خاف أن يكون ضحية مواصلة الإصلاح و أصبح يقول لمن ينصحه بمواصلة المجهود الإصلاحي أن التغيير حصل في 7 نوفمبر 1987.
فتسارعت الانحرافات و التجاوزات و تراكمت الخيبات إلى أن وقع إجباره، في ظروف لا تزال غامضة، لمغادرة البلاد يوم 14 جانفي 2011 وإتمام مسيرته في المنفى.
تتالت الخيبات منذ ذلك التاريخ على الشعب التونسي الذي لم يكن له أي خيار سوى تخفيض سقف طلباته و تطلعاته إلى الخبز و الماء و دواء و خضار و غلال في المتناول و يستطيع أكلها براحة البال. أما اللحوم والأسماك فقد أصبحت للمناسبات الخاصة اذا تيسًر ذلك.
الأمل وطيد أن لا يتواصل تخفيض سقف التطلعات و تسترجع تونس مسيرتها نحو ضمان القدرة الشرائية وتحقيق التنمية و التشغيل على أساس الكفاءة وليس الزبونية و الطرق الملتوية التي تفاقمت وأصبحت قانون اللعبة منذ اندلاع ما لقًب بثورة الحرية والكرامة.
سفير سابق.