يجمع الملاحظون أن رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتانياهو قد بات يشكل خطرا مباشرا على السلم العالمية و أن الدعوات الملحة من عديد الدول و المنظمات الحكومية و الخاصة لمحاكمته بتهمة الإبادة الجماعية و التطهير العرقي و الجرائم ضد الإنسانية لها ما يبررها و يدفع إلى ضرورة الاستعجال فيها حقنا لدماء الأبرياء الفلسطينيين. في هذا المناخ يأتي قيام العدو باغتيال إسماعيل هنية أحد قادة حماس التاريخيين ليشكل محطة أخرى من محطات الإرهاب الصهيوني منذ نشأة هذا الكيان اللقيط و صدور وعد بلفور و خيانة بعض ممالك النفط وعلى رأسها مملكة آل سعود.
بقلم أحمد الحباسي
لقد جاء الاغتيال ليؤكد أن دوامة الموت لن تتوقف و أن عجلة الخيانات العربية وهرولة كثير من الأنظمة العربية للتطبيع هي التي مكنت الكيان الصهيوني من رافعة سياسية تجعله يستقوى بها على الشعب الفلسطيني و ينكل به بطريقة بشعة حركت ضمائر الملايين نحو العالم و جعلت بلدا كجنوب إفريقيا يخرق قانون الصمت و يتقدم بدعوى جزائية لدى محكمة العدل الدولية لطلب محاكمة القيادة الصهيونية التي ارتكبت هذا الكم الهائل من جرائم الإبادة و التطهير العرقي.
بالنظر إلى ما سبق من تهديدات صادرة عن كيان العدو الصهيوني فقد كانت نهاية إسماعيل هنية متوقعة بشكل أو بآخر و لأن هناك خيانات كثيرة سواء على المستوى الفلسطيني أو المستوى العربي فقد كان محكوما على الرجل بأن يظل طريدا و معرضا للاغتيال في كل لحظة بل أن هناك من يرى أن تنقله للإقامة بدولة قطر قد سهّل تماما مهمة أجهزة المخابرات الصهيونية في تعقبه و تحديد مكانه حتى يمكن وضع الخطة الملائمة و السريعة لاغتياله كصيد ثمين بإمكان رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو إبرازه لمنتقديه و لكل الذين ينتظرون سقوطه و محاكمته.
إسرائيل تتجاوز كل الخطوط الحمراء
لقد قامت إسرائيل باغتيال متعمد لكافة عائلة القيادي الفلسطيني وكانت الرسالة شديدة الوضوح بأنه يأتي على رأس القائمة و أن دوره قد انتهى و لم يعد له مكان في المخططات الصهيونية و نية العدو في إعادة احتلال غزة و وضعها تحت الوصاية العسكرية لدولة الاحتلال.
من الظاهر أيضا أن رئيس حكومة العدو قد تجاوز هذه المرة كل الخطوط الحمراء في تعامله مع إيران كما تجاوز قواعد الاشتباك و فرض على الرئيس الإيراني الجديد السيد مسعود بزشكيان منازلة ثأرية جعلته يرفع الرايات الحمراء.
يعلم الجميع أن رفع إيران للرايات الحمراء على عدة مبان و بكاء المرشد الإيراني على خامنئى و هو يؤم المصلين في جنازة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية هي إشارات غضب واضحة تجاه الكيان العدو و أن الصيحات الشعبية المنادية بالانتقام و الثأر لن تجعل الرئيس الإيراني الجديد الذي هو في الأصل جرّاح قلب ماهر يتجاهل هذه الصيحات و سيكون مدفوعا بفتح قلب الجرح الإيراني النازف و السعي بكل حزم إلى رد الصاع صاعين على الطريقة الإيرانية رغم دعوات ضبط النفس الصادرة عن الإدارة الأمريكية التي ترفض أن تقرّ على لسان وزيرها للخارجية أنطونى بلينكن بسابق علمها بقرار الاغتيال قبل ساعات من تنفيذه.
في انتظار الرد الإيراني الصاعق
من المؤكد أن نتيجة الأبحاث ستحدد طريقة الردّ و أن ما سيكشف من أسرار متعلقة بالساعات و الأيام التي سبقت تحول إسماعيل هنية إلى طهران للمشاركة في تقديم واجب العزاء للقيادة الإيرانية بعد مقتل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ستجعل المخابرات الإيرانية تراجع كثيرا من الحسابات و تتخذ كثيرا من الإجراءات الصارمة جدا حتى تردم عدة فجوات باتت واضحة اثر تعرض كثير من الشخصيات الإيرانية للاغتيال داخل و خارج إيران.
لقد تبيّن من ردود الأفعال اثر عملية اغتيال إسماعيل هنية أن كثيرا من الدول العربية قد أخفت سرورها بالتخلص من الرجل و لا نكشف سرا حين نؤكد أن هناك داخل القيادة الفلسطينية نفسها من نظر إلى عملية الاغتيال كفرصة ثمينة للتخلص من خصم لدود و لعل المتابعين قد تفطنوا أن إصدار بطاقات النعي أو التعزية أو الاستنكار لعملية الاغتيال قد كان مجرد مسرحية بليدة الذوق كشفت عن معدن كثير من السياسيين العرب داخل و خارج فلسطين.
بطبيعة الحال تسارعت الأسئلة الحارقة حول كيفية توصل المخابرات الصهيونية إلى معرفة خط سفر إسماعيل هنية إلى حين الحلول بإحدى المطارات الإيرانية ثم انتقاله للإقامة بإحدى المنازل التابعة لقدماء المحاربين شمال طهران و مدى صحة الإشاعات التي تتحدث عن كون الرجل قد تم استهدافه بواسطة صاروخ موجه من بلد مجاور أو بواسطة قنبلة مزروعة في مقر الإقامة الذي تعود الرجل على المبيت فيه و المحروس من عناصر الحرس الثوري الإيراني و هل أن للمخابرات الأمريكية دور في العملية و مدى المساعدة القطرية و بعض صحفي قناة الجزيرة في تقديم معلومات طازجة.
في النهاية يعتبر رفع الرايات الحمراء في إيران من التقاليد الشيعية التي ترمز للثأر بالدم و الانتقام و التي يتم في حالة الخسائر الفادحة أو الدعوة القوية للانتقام، فهل ستخرج الأمور هذه المرة عن السيطرة؟
كاتب و ناشط سياسي.