نشر الأستاذ المحامي سامي بن غازي اليوم الجمعة التدوينة التالية، نشرها على صفحات التواصل الإجتماعي تحت عنوان: ماذا سنستفيد من المشاركة؟ و لماذا نصرالدين؟”
“منذ أشهر، انطلقت النقاشات السياسية حول جدوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية ومدى مبدئيتها، بين أوساط النخب السياسية المعارضة في سياق ما أصبح يُعرف بمسار 25 جويلية.
يبدو من الوهلة الأولى أن هذه الانتخابات، من زاوية مبدئية، يجب أن تُقاطع لأنها جاءت في ذات السياق الذي جرت فيه الانتخابات المحلية والتشريعية. إلا أن المبدأ يجب أن يوضع على محك ممكنات الواقع. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل يمكن لهذه الانتخابات أن تمثل فرصة للتغيير السياسي؟
إن المنظومة الحاكمة الآن في تونس، وإن استتب لها الحكم بصفة تبدو مطلقة، إلا أن إمكانية خلق اختراقات ديمقراطية ومحاولة إحداث تغيير من داخلها تبقى ممكنة، نتيجة عوامل لا تتسع هذه المساحة لشرحها.
التغيير عبر الصندوق يمثل ضمانة مضاعفة للديمقراطيين، باعتبار أن التغيير بغير الأساليب الديمقراطية يمثل فرصة لقوى أشد تسلطاً على الحكم. كما أن الشارع اليوم منهك إلى حد كبير وفقد الثقة في أن الاحتجاج وسيلة ناجعة للتغيير. ولا يوجد أدنى مؤشر على أن المحركات التقليدية للاحتجاج متوفرة أو قد تتوفر قريباً، خاصة مع غياب “الطليعة” القادرة على القيادة والتوجيه والإسناد.
نصر الدين السهيلي يمثل بالنسبة لي ولجيلي ترشحاً تتكثف فيه الرمزيات؛ رمزية ثورة 17-14 بكل ما تحمله من معاني وشعارات، وشخصية فنية ملتزمة ساهمت في خلق فضاءات بناء “عضوية المثقف” وربطه بمشاغل شعبه. وتجربة “الجامعة الشعبية” شاهدة على ذلك. نصر الدين يتقدم للترشح في سياق “صراع جيلي” يمثل أحد أهم أوجه الصراع الطبقي اليوم؛ بين جيل احتكر وصادر ممارسة السياسة ولم يتمكن من إحداث التغيير المنشود، وبين جيل مخضرم رغم صغر سنه، جيل عاش فترة سياسية مكثفة اكتسب منها قدرات على التحليل والفعل السياسي على حد سواء. جيل يرى نظراءه في العالم يتقدمون نحو الحكم دون “عقدة الصغر”، عارضاً نفسه على الناخبين دون حرج وبكفاءة منقطعة النظير، ولنا في “فرنسا الأبية” خير دليل.
أنا مع ما طرحه “نصر الدين”. أقول ما يقول، وأرى فيه اختراقاً مضاعفاً؛ اختراق للطبقة السياسية المتوفاة ولمنظومة الحكم الحالية في ذات الوقت.
هذا الترشح أثار فيّ أحلاماً كدت أنساها وآمالاً كدت أفقدها، وصنع بذرة سياسية لمشروع ديمقراطي وطني ذو أفق اشتراكي سيأتي يوماً ما ليحكم”.