بِلُغَةِ الإشارات التي يستخدمها الغوّاصون، بربط السبابة والإبهام، عبّر بلال شيحي عن انتصاره على الإعاقة وحوادث الحياة، خلال دورة إشهادية لأول غواص من ذوي الاحتياجات الخصوصية على النطاق الوطني والإفريقي والتي ستخوّل له في درجات متقدّمة التأطير والتدريب على هذه الرياضة. بدت علامات السعادة على ملامحه وهو يمسك بين يديه شهادة تعترف بأهليّته لممارسة رياضة الغوص في الأعماق.
بلال شيحي هو أستاذ رياضة بمركز التأهيل المهني للقاصرين عن الحركة العضوية و المصابين بحوادث الحياة، هو شاب من مواليد 1982، كان مولعا بالغوص الحر وبالصيد، تعرّض منذ عشر سنوات لحادث تسبّب له في إعاقة حركية ألزمته استخدام الكرسي المتحرّك، لكن لم تلزمه التخلي على شغفه بالرياضة عامّة والغوص في الأعماق بصفة أدقّ، فلم يتوقّف نشاطه الرياضي، بل تواصل مع جمعية الأعماق للغوص Abysse Plongée.
في إنجاز بعيد عن الصدفة أو العطف، اجتاز بلال الاختبارات تحت إشراف مدربين من الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ، وتمت المصادقة على شهادته، التي كانت نتيجة عمل متواصل ومضنٍ، طبّق هو ومن معه من الغواصين بروتوكول “هاندي سوب” Handisub الذي وضعه عضو جمعية الأعماق للغوص الدكتور محمد الهادي الرباعي في طب عالي الضغط، بالتعاون مع الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ والجامعة التونسية لرياضة المعوقين.
شارك بلال في تظاهرة رياضية، بيئية، مواطنية، لعلّها الأهم في مشواره الرياضي، إذ تنقّل مع مجموعة من أعضاء جمعية الأعماق للغوص إلى مدينة المهدية يوم 25 جويلية 2024 للمشاركة في تظاهرة “الغوص للجميع: مبادرة مدنية” Dive4all، بالتعاون مع نادي سبواي مهدية، وذلك بهدف تعميم رياضة الغوص، والحفاظ المستدام على البيئة البحرية وترسيخ الحس المواطني لدى الناس.
قد يكون حلما، وقد يكون تحدّيا، ما أراد بلوغه بلال شيحي، لكنه يبقى مثالا يحتذى به، بشهادة زملائه وزميلاته في رياضة الغوص، فقد كان محفّزا لهم على تجاوز مخاوف البحر وصعوباته، وهو يحاول في كل مناسبة حث الجميع على التشبّث بحلمهم، أيا كانت الظروف والمعوقات والتمسك بهواياتهم أو ب”غرامهم” كما يسميه لأنّ التظاهرة التي شارك فيها ومكّنته من لقب غوّاص درجة أولى، اندرجت في إطار مشروع “مغرومين” الذي يموّله الاتحاد الأوروبي لفائدة عدد من الجمعيات التونسية.
هذه قصة بلال شيحي الذي غاص في أعماق الحلم قبل أن يتعلّم الغوص في أعماق البحار وقبل أن يحظى بمهارات ستخوّل له يوما ما التدريب على ممارسة هذه الرياضة المليئة بالتحدي وحب الاستكشاف، قصّة مازال الحلم فيها متواصلا لبلوغ رتبة مدرّب، بل تحقيقه وارد لو وجد الدعم المادي والبيداغوجي من السلط المختصة.