توفي اليوم الجمعة 9 أوت 2024 الفنّان التشكيلي التونسي والرسّام المبدع الصادق قمش عن سن 84 عاما فهو من مواليد قرية تكرونة في 2 أوت 1940. ننشر في ما يلي ما كتبه أسامة الراعي حول الفقيد على صفحته الفايسبوك.
المرحوم ابن قرية تكرونة الأمازيغية الملهمة وذات الجمال الأخّاذ، ببستانها الصخري المعلّق، المأخوذ بريح التخييل ولحظات المكاشفة الشعرية… من روح تلك القرية تشكّلت الملًكة الفنية لهذا الرسام.
كان الصادق قمش أحد الآباء المؤسسين للحركة التشكيلية التونسية. لم يغرِه الالتحاق بجماعة “مدرسة تونس” على غرار العديد من رسّامي جيله. لقد كان قمش يعتقد صارمًا أنّ “مدرسة تونس” هي شجرة باسقة وعالية ومثمرة، لكنها في الوقت نفسه، كانت تحجب غابة جميلة، ثرية ومزهرة؛ لذلك اختار هذا الفنان دربًا مغايرًا.
في أوج شبابه، في خمسينات القرن الماضي، لاحت ملامح النضج على تجربته، وبدأت إسهاماته في الصالونات والمعارض التشكيلية. فتردّد اسمه في الساحات وسرعان ما جاء التنويه والاستحسان من هنا وهناك : من الفنانين الكبار ومنهم الرائد “حاتم المكي” ومن الجلسات الثقافية والمقالات النقدية.
لم يكتف الصادق قمش بذلك، بل تشكّل لديه يقين بضرورة التغيير الثقافي داخل المجتمع التونسي الخارج لتوّه من مرحلة استعمار دمّر الثقافة المحلية وأرسى ثقافته بقوة؛ وهو ما يمكن تسميته بالوعي الطلائعي، فأسس سنة 1962 مع مجموعة من الرسامين التونسيين والأجانب ما عرف في ذلك الوقت بـ”مجموعة الستة” ومن بينهم الرسام الكبير نجيب بلخوجة ولطفي الأرناؤوط والفرنسيين جوليات قرمادي وجون كلود ألان… وكان خط هذه المجموعة هو التصدي لسوء توظيف الفلكلور التونسي في أعمال بعض الرسامين الفرنسيين الذين مازالو يقيمون بتونس، وأعمال بعض أعضاء “مدرسة تونس”، وتقديم لوحة فنية بديلة تقدم الحياة على هذه الأرض على نحو مغاير.
-لم يتأثر الفنان الصادق قمش برسام بعينه، بل كان يميل لبعض التجارب مثل تجربة الرسام التونسي اليهودي بيار بوشارل الذي يعتبر أبًا روحيًا للعديد من الرسامين التونسيين، أو تجربة الرسام والنحات الإيطالي أميدو موديلياني. لقد هضم قمش كل تلك التجارب المحلية والعالمية ليجد كشوفات بصرية متجددة لم تألفها العين من قبل… وهو في النهاية وجد نفسه..!
قضّى الصادق قمش أكثر من ستة عقود وهو يرسم… لم يتخلّ عن أحلامه وشخوصه وانسيابية ألوانه المتمازجة بإيقاعية غريبة وبروح شعرية عالية، مستدرجا الحقيقة والهوية الثقافية والجمالية المحلية التي حوّلها إلى علامات روحية برفعة الرسام العاطفي وحدسه العميق.
رحم الله الفنان الصادق قمش.. لقد مثّل تجربة فنية متفرّدة في التاريخ الثقافي التونسي ضمن رحلة الفن التشكيلي على وجه الخصوص، لها فرادتها ولها أيضا استثنائيتها.