إنّ الإدارة العموميّة اهترأت وتعفنت وتحجرت وتكلست وهي دون شك سبب خراب المرفق العموميّ، فكيف نصلح التعليم بنفس الآداة التي أفسدته؟ وهل يصح حقن المريض بحقنة فاسدة؟”
جمال سكراني
يتواصل الحديث عن “إصلاح التعليم” في تونس مع تغيّر السياسات والحكومات والأنظمة. وهو ليس بحديث عامّة فقط وإنّما موضوع تتناوله النخبة وأهل الاختصاص والخبرة والسياسيّون، ممّا يؤشر على فهم خاطىء لماهيّة الدولة ودورها وماهيّة المرفق العموميّ ومتطلباته وطرق إدارته وتسييره في أعلى المستويات.
إنّ التعليم ليس بآداة أو آلة او جهاز حتى يُصاب بالعطب ويجب إصلاحه، وإنّما هو مرفق عموميّ تديره الدولة عن طريق آداة اسمها “الإدارة العموميّة”.
آداة متكلّسة متحجرة لم تعرف الإصلاح منذ نشأتها
هي آداة متكلّسة متحجرة لم تعرف الإصلاح منذ نشأتها، وهي تنهب ثروات الشعب وتخرب مرافقه العموميّة منذ عهد البايات. ثمّ نكّلت بالشعب أيّ تنكيل في عهد الاستعمار الفرنسيّ وقد وثّق الكاتب الشادلي الخلادي رحمه الله ممارساتها المزرية في كتابه “تونس للموظفين”. وهاهي الآن في دولة الاستقلال والسيادة تواصل عربدتها وقد زادت جرأتها ووقاحتها لتتمرّد على السلطة السياسيّة وتضع العقبات والعراقيل أمام السياسة العامّة لرئيس الجمهوريّة وهذا حسب تعبير فخامته في أكثر من مناسبة.
هي إدارة الخطط الوظيفيّة، وليست الخطط الوظيفيّة سوى منح وامتيازات يتمتع بها الكثير من عديمي الكفاءة والنزاهة وأصحاب الشهادات المدلسة، وهي تسميات موثقة في الرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة ربما قد تنفع اجيال المستقبل في معرفة أسباب معاناة أجدادهم. هذا إن تركت لنا الإدارة العمومية مستقبلا من أساسه وجميع أبنائنا يخططون للهجرة.
إن ارتفاع عدد الموقوفين من كبار الموظفين، وارتفاع عدد الملفات المودعة في المحاكم ضدّهم، وارتفاع عدد الإحالات على مجالس التأديب في كل مؤسسة عموميّة إضافة إلى ارتفاع عدد ضحايا التبليغ عن الفساد وتضارب المصالح لمؤشر على خراب الإدارة العموميّة وعلى عدم صلاحها للتسيير فكيف ستصلح للإصلاح؟
حال التعليم ليس أسوء من بقيّة المرافق العمومية
لا شكّ في أن التعليم يمرّ بأزمة، ليس لأنّ به خلل، فالمدرّس لا ينتدب نفسه ولا يقيّم نفسه ولا يقوم بترقية نفسه، والبرامج لا تنزّل من السماء والموارد والتجهيزات لا يوزعها بابا نوال والبناءات من مدارس ومعاهد لم يتركها لنا قدامى التونسيّين. إنّما هناك آداة لإدارة كلّ هذا بسلطة إشراف إسمها وزارة التربية لها إدارة مركزيّة بالعاصمة و 26 مندوبيّة في كلّ الجهات. تضمّ هذه الوزارة هياكل تشرف على ضبط الحاجيات والانتدابات والشراءات والحياة المدرسية والخدمات المدرسية والاستثمار والتكوين والتقييم والبيداغوجيا والزمن المدرسي إلخ… وجميعها بها خلل.
إن حال التعليم ليس أسوء من بقيّة المرافق، فمعاناة المواطن التونسي في مرفق الصحة او النقل تدفع به للتوجه نحو التعليم الخاص والمصحة الخاصة والنقل الخاص صارفين كلّ مقدراتهم فقط من أجل الهروب من كلّ ما هو عموميّ. إنّ الإدارة العموميّة اهترأت وتعفنت وتحجرت وتكلست وهي دون شك سبب خراب المرفق العموميّ، فكيف نصلح التعليم بنفس الآداة التي أفسدته؟ وهل يصح حقن المريض بحقنة فاسدة؟”
موظف بوزارة التربية.