ان القَصَفٍ العَشْوَائِيٍّ الذي اقترفته اسرائيل صَبَاحَ أمس السبت 10 أوت 2024، على مدرسة التابعين في حي الدرج في وسط مدينة غزة، قُتل فيه أكثر من 100 شهيد، مع عشرات المصابين والمفقودين، مما يبرز واحدة من أكبر المآسي التي شهدتها غزة في الأسابيع الأخيرة.
خميس الغربي
وتؤكد لنا هذه المجزرة الجديدة أن البربرية لم تعد تعرف حدوداً. ونفتح أعيننا كل صباح على عالم يعيش في حالة من الفوضى، كاشفا لنا واقعاً أليما يبدو فيه أن الإنسانية قد فقدت طريقها، غارقة في نوع من الهمجية الخارجة عن الزمن.
في هذا المشهد الملآن بالظلمات، يجلب لنا كل يوم نصيبه من المجازر والمعانات، وتصبح الحياة صراعاً من أجل البقاء بين الأنقاض. فتتزايد مشاهد العنف؛ في القرى والمدن المدمرة، وتبكي العائلات على أحبائها المفقودين، بينما يتيه الأطفال بين الركام، لا يعرفون سوى الظلام والظلم واليأس.
عالم نسي الرحمة
ان هذا القصف المتواصل لا يترك مكاناً للسلام أو حتى للعلاج وتتحول المستشفيات، التي كانت في السابق ملاذا للعلاج، إلى أهداف بدورها. وتغمر ممرات الطوارئ داخل المشافي بالدماء والآلام وصيحات الإغاثة ، حيث تتردد صرخات المصابين كأصداء لعالم نسي الرحمة بل يكاد يفقدها تماما. و ويتسلل التدهور إلى القلوب والعقول، حيث لم يعد للحياة الإنسانية قيمة.
وزيادة على الدمار الجسدي والمعنوي يتمزق الوعي الجماعي للمجتمع وتصبح اللامبالاة تجاه الظلم والبؤس الإنساني أمراً طبيعياً. كما يتم تحريف صور المعاناة، مختزلة إلى أرقام على شاشات التلفزة بينما تُداس كرامة الضحايا وتصبح حقوق الإنسان، التي كانت يوماً ما مبادئ عالمية، أدوات للتلاعب يستخدمها الأقوياء لتبرير أفعالهم.
الأفق مظلم بدخان اليأس
في هذا العالم الفوضوي، يبدو الأفق مظلماً بدخان اليأس. وتحل المصالح الأنانية محل المثُل العليا للتضامن والسلام، وتختفي تدريجياً أصوات المضطهدين. وتصبح المصائب ليس فقط حدثاً كارثياً، بل استباقا لتفكك بطيء للإنسانية كلها، ويدفع هذا المشهد المأساوي البعض منا للتساؤل حول قدرتنا على البناء واستدراك الكوارث..
من الضروري أن نتذكر أنه وراء كل إحصائية تكمن قصة، حياة، وأحلام وفي هذا العصر الهمجي، يواصل المتفائلون الأمل، ويحلمون بعالم تسود فيه الحقوق والتضامن على الكراهية والتدمير. هذه الشرارة الإنسانية هي ما يجب علينا الحفاظ عليها وإشعالها، حتى في خضم الظلام.
لذا، يجب أن لا يكون هناك مكان للامبالاة بعد الآن.