تتطرق رواية “قلب اللوز” للكاتب الجزائري الشهير ياسمينة خضرا إلى مواضيع عدة منها التهميش الاجتماعي، وقوة العلاقات الأسرية، وأهمية الكلمة كوسيلة للبقاء والتعبير عن الذات.
جمال قتالة
“قلب اللوز” هي رواية جديدة لياسمينة خضرا، التي تصدر في المكتبات ابتداءً من 21 أغسطس 2024. تدور أحداثها في قلب حي برباس، الذي يشكل بؤرة نابضة بالحياة في باريس حيث تتعايش مختلف الثقافات والأعراق.
بطل الرواية هو نستور، شاب ولد بعيب خلقي جعله قصير القامة بشكل غير عادي، ما دفع والدته إلى رفضه منذ لحظة ولادته. بسبب هذا الرفض القاسي، تكفلت جدته بتربيته وأصبح مرتبطاً بها ارتباطاً وثيقاً.
نستور، الذي ترعرع في شقة بسيطة بالقرب من كنيسة الساكري كور الشهيرة، يجد في جدته مصدر الحنان والدفء الذي يفتقده من والدته. هذه الجدة، التي كانت تعمل كأستاذة للغة الفرنسية قبل تقاعدها، تسعى جاهدة لتوفير احتياجاتهما من خلال معاشها التقاعدي البسيط. وعلى الرغم من صعوبة الحياة في هذا الحي المزدحم والصاخب، فإن نستور يواجه كل يوم بطاقة لا تنضب وتفاؤل لا يهتز، حيث يسعى دائماً للبحث عن سبل لتحسين حياتهما.
مع تقدم الأحداث، تبدأ حالة الجدة الصحية في التدهور بشكل ملحوظ. تبدأ في فقدان ذاكرتها تدريجياً، مما يجعل من الضروري وضعها في دار رعاية للمسنين. هذا التطور المفاجئ في حياة نستور يتركه وحيداً ومكسوراً، خاصة بعد أن تقرر والدته بيع الشقة التي كانت ملاذه الوحيد. يجد نفسه فجأة بلا مأوى ولا دعم عاطفي، ويشعر بأن عالمه قد انهار تماماً.
في مواجهة هذا الوضع الصعب، يلجأ نستور إلى الكتابة كوسيلة للتعبير عن ألمه وغضبه، وكذلك لإيجاد بصيص من الأمل. يسترجع في كتاباته ذكريات جدته والكلمات التي علمته إياها، محاولاً تحويل حزنه إلى قوة إبداعية. يعبر نستور من خلال كتاباته عن رغبته العميقة في الحياة وكفاحه ضد قسوة القدر الذي فرض عليه. ويطلق على كتابه اسم “قلب اللوز”، وهو اللقب الذي أطلقه عليه أصدقاؤه العرب في الحي، كناية عن قلبه الطيب وروحه الحساسة.
تتطرق الرواية إلى مواضيع عدة منها التهميش الاجتماعي، وقوة العلاقات الأسرية، وأهمية الكلمة كوسيلة للبقاء والتعبير عن الذات. من خلال قصة نستور، يقدم ياسمينة خضرا صورة مدهشة لهذا الحي الباريسي الفريد وسكانه المتنوعين، كما يستعرض بأسلوبه الأدبي الرائع مشاعر الأمل واليأس التي تتصارع في قلب بطله.
“قلب اللوز” ليس مجرد رواية عن شاب يواجه التحديات، بل هو أيضاً تأمل عميق في طبيعة الإنسان وقدرته على المقاومة والإبداع في مواجهة الصعاب. الرواية تعد بأن تكون إضافة قوية إلى مسيرة ياسمينة خضرا الأدبية، وتجربة قرائية مؤثرة ستبقى في ذاكرة القراء لفترة طويلة.